تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[منن]:

صفحة 547 - الجزء 18

  الجوْهرِيِّ عَجز البَيْتِ لا غَيْر؛ قالَ: وكمَّلَهُ ابنُ القطَّاعِ بصَدْرِ بيتٍ ليسَ هذا عَجْزُه، وإنَّما عَجزُهُ: وَأَرْسَلُوا:

  غُضُفاً دَوَاجِنَ قافِلاً أَعْصامُها

  وليسَ ذلِكَ في شعْرِ لبيدٍ.

  وقوْلُه تعالى: {وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى}⁣(⁣١) قيلَ: المَنُّ كُلُّ طَلٍّ يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ على شَجَرٍ أَو حجرٍ ويَحْلُو ويَنْعَقِدُ عَسَلاً ويَجِفُّ جفافَ الصَّمْغِ كالشِّيرَخُشْت والتَّرَنْجَبِينِ.

  والسَّلْوى: طائِرٌ؛ وقيلَ: المَنُّ والسَّلْوى كِلاهُما إشارَة إلى ما أنْعَمَ اللهُ، ø، به عليهم، وهُما بالذَّاتِ شيءٌ واحِدٌ لكنْ سمَّاهُ مَنَّا من حيثُ أنَّه امْتَنَّ به عليهم، وسمَّاهُ سَلْوى مِن حيثُ أنَّه كانَ لهم به التَّسَلي؛ قالَهُ الرَّاغبُ.

  وفي الصِّحاحِ: المَنُّ كالتَّرَنْجَبِينِ.

  وفي المُحْكَم: طَلٌّ يَنْزِلُ مِن السَّماءِ، وقيلَ: هو شِبْهُ العَسَلِ كان يَنْزِلُ على بَني إسْرائيل.

  وقالَ الليْثُ المَنُّ كانَ يَسْقطُ على بَني إسْرائيل مِن السَّماءِ إذْ هُمْ في التِّيه، وكانَ كالعَسَلِ الحامِسِ حَلاوَةً.

  وقالَ الزجَّاجُ: جملةُ المَنِّ في اللغَةِ ما يَمُنُّ به اللهُ، ø، ممَّا لا تَعَبَ فيه ولا نَصَبَ، قالَ: وأَهْلُ التفْسِيرِ يقُولُونَ: إنَّ المَنَّ شيءٌ كانَ يَسْقُطُ على الشَّجرِ حُلْوٌ يُشْرَبُ.

  وفي الحدِيثِ: «الكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ ومَاؤُها شفاءٌ للعَيْنِ»، إنَّما شَبَّهَها بالمَنِّ الذي كانَ يَسْقطُ على بَني إسْرائِيلَ، لأنَّه كان يَنْزِلُ عليهم عَفْواً بِلا عِلاج، إنَّما يصبحون وهو بأَفْنِيتِهم فيَتَناوَلُونَه، وكَذلِكَ الكَمْأَةُ لا مَؤُونَة فيها ببَذْرٍ ولا سَقْيٍ.

  والمَعْروفُ بالمنِّ عنْدَ الأَطِبَّاءِ: ما وَقَعَ على شَجرِ البَلُّوطِ مُعْتَدِلٌ نافِعٌ للسُّعالِ الرَّطْبِ والصَّدْرِ والرِّئَةِ، والمَنُّ أَيْضاً مَنْ لم يَدَّعِهِ أَحَدٌ، هكذا في النُّسخِ وفيه خَطَأٌ في مَوْضِعَيْن، والصَّوابُ: المُمِنُّ الذي لم يَدَّعِهِ أَبٌ، كما هو نَصُّ المُحْكَم.

  وأَيْضاً: كَيْلٌ مَعْروفٌ، أَو مِيزانٌ، كما في المُحْكَم.

  أَو هو رِطْلانِ كالمَنَا؛ كما في الصِّحاحِ.

  وفي التَّهْذِيبِ: المَنُّ لُغَةٌ في المَنَا الذي يُوزَنُ به.

  وقالَ الرَّاغبُ: المَنُّ ما يُوزَنُ به، يقالُ: مَنَّ ومَنَا.

  ج أَمْنانٌ، ورُبَّما أُبدِلَ من إحْدَى النُّونَيْن أَلفٌ فقيلَ: مَنَا، وجمْعُ المَنَا أَمْناءُ.

  والمُنَّةُ، بالضَّمِّ: القُوَّةُ، وقد مَرَّ قَرِيباً، فهو تكْرارٌ، وقد خصَّ بعضُهم به قُوَّة القَلْبِ.

  والمَنَّةُ، بالفتْحِ: من أَسْمائِهِنَّ، أَي النّسْوَة.

  والمَنُونُ: الدَّهْرُ، وهو اسمٌ مُفْردٌ؛ وعليه قَوْلُه تعالى: {نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}⁣(⁣٢)، أَي حَوادِث الدَّهْرِ؛ ومنه قَوْلُ أَبي ذُؤَيْب:

  أَمِنَ المَنُونِ ورَيْبِه تَتَوَّجَعُ ... والدَّهْرُ ليسَ بمُعْتَبٍ من يَجْزَعُ⁣(⁣٣)

  قالَ ابنُ بَرِّي: أَي الدَّهْرُ ورَيْبه، ويدلُّ على ذلِكَ قوْلُه:

  والدَّهْرُ ليسَ بمُعْتِبٍ من يَجْزَعُ

  وقالَ الأَزْهرِيُّ: مَنْ ذَكَّرَ المَنُونُ أَرادَ به الدَّهْرَ، وأنْشَدَ قوْلَ أَبي ذُؤَيبٍ.

  قالَ ابنُ بَرِّي: ومِثْلُه قَوْل كَعْبِ بنِ مالِكٍ الأنْصارِيِّ، رضِيَ اللهُ تعالى عنه:

  أنسيتمُ عَهْدَ النبيِّ إليكمُ ... ولقد أَلَظَّ وأَكَّدَ الأَيْمانا

  أن لا تَزالُوا ما تَغَرَّدَ طائرٌ ... أُخْرى المَنُونِ مَوالِياً إخْوانا⁣(⁣٤)


(١) البقرة، الآية ٥٧.

(٢) الطور، الآية ٣٠.

(٣) ديوان الهذليين ١/ ١ وبرواية: «وريبها» والمثبت كرواية اللسان وصدره في التهذيب.

(٤) اللسان.