تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[عته]:

صفحة 61 - الجزء 19

فصل العين مع الهاء

  [عته]: عُتِهَ الرَّجُلُ، كعُنِيَ عَتْهاً، بالفَتْحِ، وعُتْهاً وعُتاهاً، بضَمِّهِما، فهو مَعْتُوهٌ: نَقَصَ عَقْلُهُ، أَو فَقِدَ عَقْلُه، أَو دُهِشَ من غيرِ مَسِّ جُنُونٍ. وما كانَ مَعْتوهاً ولقد عُتِهَ عَتْهاً.

  وفي الحدِيثِ: «رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثَةٍ: الصَّبيُّ والنائِمُ والمَعْتُوه»، وهو المَجْنونُ المُصابُ بعَقْلِه.

  وعُتِهَ فلانٌ في العِلْمِ: إذا أُوْلِعَ به وحَرَصَ عليه.

  وعُتِهَ فلانٌ في فُلانٍ: إذا أَوْلِعَ بإيذائِه ومُحاكاةِ كَلامِهِ.

  قالَ شيْخُنا: اسْتُعْمِلَ الإيذَاءُ هنا وفي بعضِ مَواضِعَ، وقالَ في المُعْتل إنَّه لا يقالُ وسَيَأْتي الكَلامُ عليه.

  فهو عاتِهٌ⁣(⁣١) وعَتِيهٌ، ج عُتَهاءُ، ككُرَماء، والاسْمُ العَتاهَةُ والعَتاهِيَةُ، كالفَراهَةِ والفَراهِيَةِ.

  والتَّعَتُّهُ: التَّجاهُلُ.

  وأَيْضاً: التَّغافُلُ. يقالُ: هو يَتَعَتَّهُ لكَ عن كثيرٍ ممَّا تَأْتِيه أَي يَتَغَافَلَ عنك فيه.

  أَو هو التَّنَظُّفُ والتَّنَوُّقُ.

  وفي الصِّحاحِ: التَّعَتُّهُ التَّجَنُّنُ والرُّعُونَةُ، ذَكَرَه أَبو عبيدٍ في المَصادِرِ التي لا تُشْتَق منها الأَفْعالُ؛ قالَ رُؤْبَة:

  بعدَ لَجاجٍ لا يَكادُ يَنْتَهِي ... عن التَّصابي وعن التَّعَتُّهِ⁣(⁣٢)

  والتَّعَتُّهُ: المُبالَغَةُ في المَلْبَسِ والمَأْكَلِ. يقالُ: تَعَتَّه في كذا، وتَأَرَّبَ إذا تَنَوَّقَ وبالَغَ.

  والمُعَتَّهُ، كمعَظَّمٍ: العاقِلُ المُعْتَدِلُ الخَلْقِ.

  وأَيْضاً: المَجْنونُ المُضْطَرِبُهُ، أَي الخَلْق، فهو ضِدُّ.

  وأَبو العَتاهِيَةِ، ككَراهِيَةٍ: لَقَبُ أَبي إسْحاقَ إسْماعيلُ ابنُ أَبي⁣(⁣٣) القاسِمِ هكذا في النسخِ والصَّوابُ ابن القاسِمِ؛ ابنِ سُوَيْدٍ الشاعِرُ لا كُنْيَتُهُ. ووَهِمَ الجوهرِيُّ.

  قالَ شيْخُنا: هذا غَريبٌ جدًّا مُخالِفٌ لمَا أَطْبَقَ عليه أَئِمةُ العَربيَّةِ من أَنَّ اللقَبَ ما أشعر بالرّفْعَةِ أَو الضَّعَةِ ولا يُصَدَّرُ بالأبِ والأُمِّ والابنِ والبنْتِ على الأصَحّ في الأَخيرَيْن، بل كَلامُهم صَريحٌ في أَنَّ كلَّ ما صدِّرَ بذلكَ فهو كُنْيَةٌ بلا خِلافٍ.

  قال: ثم رأَيْت العصام في الأَطْول في فِنّ البَدِيعِ أَشارَ إلى مثْلِ هذا واسْتَغْرَبَ كَلامَ المصنِّفِ غايَةَ الاسْتِغْرابِ قالَ: وإنّه لحقيقٌ بالاسْتِغْرابِ لخُرُوجِه عن قواعِدِ الإعْرابِ، ثم أَيّ مانِع من اجْتِماعِ كنَى مُتعدِّدَة على مكنى واحِدٍ كما تُجْمعُ الألْقابُ كَذلِكَ، كما في غيرِ دِيوانٍ.

  قالَ: ثم خَطَرَ لي أَنَّ المصنِّفَ كأَنَّه رَاعَى ما يميلُ إليه بعضٌ مِن أَنَّ ما دلَّ على الذَّم فإنَّه يكونُ لَقَباً ولو صُدِّرَ بأَبٍ أَو أُمِّ، ولا سيِّما إذا قَصَدُوا بالكُنْيةِ الذَّم، كما ادَّعاهُ بعضٌ في هذه الكُنْيةِ وزَعَمَ أَنَّهم قَصَدُوا بها كأَنَّ العُتْهَ الخفَّةُ والجُنُونُ، فيكون كُنْيَة أُرِيدَ بها اللَّقَب.

  قالَ: وفي كَلامِ المحدِّثينَ في أَسْماءِ بعضِ الرِّجالِ ما يُومئُ إليه، ولكنَّهم لم يَمْنَعوا إطْلاقَ الكُنْيةِ عليه، انتَهَى.

  * قُلْتُ: وذَكَرَ بعضٌ أَنّه كانَ له ولدٌ يُسَمَّى عتاهِيَة وبه كُنِّي، وقيلَ: لو كانَ كَذلكَ لقِيلَ له أَبو عتاهِيَة بغيرِ تَعْريفٍ، والصَّحيحُ أَنَّه لَقَبٌ لا كُنْيَة كما مَشَى عليه المصنِّفُ، ولُقِّبَ بذلكَ لأنَّ المَهْديَّ قالَ له: أَراكَ مُتَعَتِّهاً مُتَخَلِّطاً، وكانَ قد تَعَتَّه بجارِيَةٍ للمَهْدِي واعْتُقِلَ بسَبَبِها، وعَرَضَ عليها المَهْدِيُّ أَنْ يُزوِّجَها له فأَبَتْ؛ وقيلَ: لُقِّبَ بذلكَ لأنَّه كانَ طويلاً مُضْطَرباً؛ وقيلَ: لأنَّه كانَ يُرْمَى بالزَّنْدَقَةِ.

  وقَرَأْتُ في الأغاني لأبي الفَرَج عن الخليلِ بنِ أسَدٍ النّوْشجاني قالَ أَبو العتاهِيَة: يزعمُ الناسُ أَنِّي زنْدِيقٌ، وو الله ما دِيني إلَّا التّوْحيد، فقُلْنا له: قلْ شيئاً نَتَحدَّثُ به عَنْك، فأَنْشَدَ:


(١) على هامش القاموس عن نسخة: عَتيهٌ.

(٢) ديوانه ص ١٦٥ واللسان والثاني في التهذيب.

(٣) قوله: «أبي» مضروب عليه بنسخة المؤلف هامش القاموس.