تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الهمزة مع الواو والياء

صفحة 152 - الجزء 19

  أَي لا يَتَحَبَّس على إدْرَاكِ القِدْرِ ليَأْكُلَ؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي للحُطَيْئة:

  ولا تَأَرَّى لمَا في القِدْرِ يَرْقُبُه ... ولا يَقُومُ بأَعْلى الفَجْر يَنْتَطِق⁣(⁣١)

  وتَأَرَّى الشَّيءَ: تَحَرَّاهُ؛ وبه فَسَّرَ أَبو زيْدٍ قَوْلَ أَعْشى باهِلَةَ؛ كما في الصِّحاح.

  والآرِيُّ، بالمدِّ والتَّشديدِ ويُخَفَّفُ، الآخِيَّةُ⁣(⁣٢) سُمِّيت بها لأنَّها تَحْبسُ الدوابَّ عن الانْفِلاتِ؛ وأَنْشَدَ ابنُ السِّكِّيت للمُثَقِّب العَبْديِّ يَصِفُ فَرَساً:

  داوَيْتُه بالمحْض حتَّى شَتا ... يَجْتَذِبُ الآرِيَّ بالمِرْوَدِ⁣(⁣٣)

  أَي مَعَ المِرْوَدِ، وأَرادَ بآرِيِّه: الرَّكَاسَةَ المَدْفونَةَ تَحْتَ الأرضِ المُثْبتةِ فيها تُشَدُّ الدابَّةُ مِن عُرْوَتها البَارِزَة فلا تَقْلَعُها لثَباتِها في الأرضِ.

  قالَ الجَوْهرِيُّ: وهو في التَّقْديرِ فاعُولٌ، والجَمْعُ الأَوارِي، يُشَدَّدُ ويُخَفَّفُ. ومنه أَرَّيتُها، أَي الدابَّةَ، ولم يَتَقدَّمْ لها ذِكْرٌ، وإنَّما هو كقَوْلِه تعالى: {حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ}⁣(⁣٤).

  وأَرَّيْتُ لها أَيْضاً تَأْرِيَةً: جَعَلْتُ لها آرِيَّةً، وعلى الأُولى اقْتَصَرَ الجَوْهريُّ. وأَرَّيْتُ الشَّيءَ تَأْرِيَةً: أَثْبَتُّه ومَكَّنْتُه؛ ومنه الحدِيثُ: «اللهُمَّ أَرِّ ما بَيْنَهم»، أَي ثَبِّت الوُدَّ ومَكِّنْه، يَدْعُو للرَّجُل وامْرَأَته.

  ورَوَى أَبو عبيدَةَ: أَنَّ رَجُلاً شَكَا إلى رَسُولِ اللهِ ، امْرَأَتَه فقالَ: «أَرِّ بَيْنَهما»؛ قالَ أَبو عبيدَةَ: يَعْنِي أَثْبت بَيْنَهما. ويُرْوَى أنَّ هذا الدّعاءَ لعليِّ وفاطِمَةَ، رَضِيَ اللهُ تعالى عنهما.

  ورَوَى ابنُ الأثيرِ أَنَّه دُعاءٌ لامْرأَةٍ كانتْ تَفْرَك زَوْجها، فقالَ: «اللهُمَّ أَرِّ بَيْنَهما»، أَي أَلِّف وأَثْبت الوُدَّ بَيْنَهما.

  ورَوَاهُ ابنُ الأَنْبارِي: «اللهُمَّ أَرِّ كلَّ واحِدٍ منهما صاحِبَه»، أَي احْبِس كلًّا منهما على صاحِبِه حتى لا يَنْصرِف قَلْبه إلى غيرِهِ، قالَ: والصَّوابُ في هذه الرِّوايَة: على صاحِبِه، فإن صحَّتِ الرِّوايَة بحَذْفِ على فيكونُ كقَوْلِهم: تَعَلَّقْتُ بفلانٍ وتَعَلَّقْتُ فلاناً.

  وأَرَّيْتُ النَّارَ: عَظَّمْتُها ورفَعْتُها.

  وفي الصِّحاحِ: أَرَّيْتُ النارَ تَأْرِيَةً: ذَكَّيْتُها.

  قالَ ابنُ بَرِّي: هو تَصْحيفٌ وإنَّما هو أَرَّثْتُها، واسمُ ما تلْقِيه عليها الأُرْثَة.

  * قُلْتُ: ليسَ بتَصْحيفٍ لأنَّ أَبا زيْدٍ نَقَلَهُ هكذا في النَّوادِرِ فقالَ: أَرَّيْتُ النارَ تَأْرِيَةً ونَمَّيْتها تَنْمِيةً، وذَكَّيْتها تَذْكِيَةً إذا رَفَعْتها. يقالُ: أَرِّ نارَكَ.

  قالَ الأَزْهرِيُّ: أَحْسَب أَبا زيْدٍ جَعَلَ أَرَّيْت النَّارَ مِنْ وَرَّيْتَها، فقَلَبَ الواوَ هَمْزةً، كما قالوا: أَكَّدْت اليَمِينَ ووَكَّدْتها وأَرَّثْت النَّارَ ووَرَّثْتها.

  وأَرَّيْتُها وأَرَّيْتُ لها: جَعَلْتُ لها إِرَةً؛ عن أَبي حنيفَةَ.

  قالَ ابنُ سِيدَه: وهذا لا يصحُّ إلَّا أَنْ يكونَ مَقْلوباً مِن وَأَرْتُ، إمَّا مُسْتَعْمَلَة، أو مُتَوَهَّمة.

  وحكِي عن بعضِهم: يقالُ: أَرِّ نارَك ولنَارِكَ، أَي افْتَح وسَطَها لِيَتَّسِعَ المَوْضِع للجَمْر.

  وأَرَّيْتُ عن الأمْرِ: مثْلُ وَرَّيْتُ، الهَمْزَةُ بَدَلٌ من الواوِ.

  * وممَّا يُسْتدركُ عليه:

  الأَرْيُ: اللَّبَنُ يُلْصَقُ وَضَرُه بالإناءِ؛ وقد أَرِيَ كَرَضِيَ وأَرْيُ القِدْرِ والنَّارِ: حَرُّهُما.

  والأَرْيُ: الغَيْظُ في الصدْرِ أَو حَرُّه فيه؛ وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرابيّ:


(١) تكملة ديوان الحطيئة ص ٢٦٤ برواية:

ترصده ... ولا تقوم بأعلى الفجر تنتطق

والمثبت كرواية اللسان.

(٢) في القاموس: الأخيّة.

(٣) اللسان والصحاح والتهذيب.

(٤) سورة ص الآية ٣٢.