تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الثاء المثلثة مع الواو والياء

صفحة 260 - الجزء 19

  وقالَ ابنُ بَرِّي: إنَّما لم يُفْرد له واحِدٌ لأنّه حَبْلٌ واحدٌ يُشدُّ بأَحدِ طَرَفَيْه اليَد وبالطَّرَفِ الآخَرِ الأُخْرى، فهما كالواحِدِ.

  ومِثْله قَوْل ابنِ الأثيرِ في شرْحِ حدِيثِ عَمْرو بنِ دِينارٍ: رأَيْت ابنَ عُمَر يَنْحَرُ بدنته وهي بارِكَةٌ مَثْنِيَّة بِثنايَيْن.

  وقالَ الأصْمعيُّ: يقالُ عَقَلْتُ البَعيرَ بثِنَايَيْنِ، يُظْهِرُونَ الياءَ بعْدَ الألفِ، وهي المدَّة التي كانتْ فيها، وإن مدّمادٌّ لكأنَ صَواباً كقَوْلِكَ كِسَاءٌ وكِساوَانِ وكِسَاآنِ. قالَ: وواحِدُ الثِّنَايَيْنِ ثِناءٌ ككِسَاء.

  * قُلْتُ: وهذا خِلافُ ما عليه النّحويُّونَ فإنّهم اتَّفَقُوا على تَرْكِ الهَمْز في الثّنَايَيْن وعلى أَن لا يُفْردُوا الوَاحِدَ.

  وكَلامُ اللّيْثِ مثْل ما نَقَلَه الأصْمعيّ، وقد رَدَّ عليه الأَزْهريُّ بما هو مَبْسوطٌ في تَهْذِيبِه. ورُبَّما نَقَل المصنِّفُ عن ابنِ السَّيِّد لكَوْنِه أَجازَ إفْرادَ الواحِدِ، ولذا لم يَذْكرِ الثِّنَايَيْن، وقد عَلِمْتُ أَنَّه مَرْدودٌ فإِنَّ الكَلِمَةَ بُنِيَتْ على التَّثْنِيَةِ، فتأَمَّل.

  * وممَّا يُسْتدركُ عليه:

  الطَّويلُ المُتَثَنيِّ: هو الذَّاهِبُ طُولاً، وأَكْثَر ما يُسْتَعْملُ في طَويلٍ لاعَرْض له.

  والثِّنْيُ، بالكسْرِ: واحِدُ أَثْناء الشيءِ أَي تَضَاعِيفه؛ تقولُ: أَنْفَذت كذا ثِنْيَ كتابِي أَي في طَيِّه؛ كما في الصِّحاحِ.

  وكانَ ذلِكَ في أَثْناءِ كذا: أَي في غضونِهِ.

  والثِّنْيُ أَيْضاً: معطفُ الثَّوْبِ؛ ومنه حدِيثُ أَبي هُرَيْرَةَ: «كانَ يَثْنِيه عليه أَثْناءً مِن سَعَتِه»، يعْنِي الثَّوْبَ.

  وثَنَاهُ ثَنْياً: عَطَفَهُ.

  وأَيْضاً: كَفَّهُ.

  وأَيْضاً: عَقَدَه، ومنه تُثْنَى عليه الخَناصِر.

  وثَناهُ عن حاجَتِهِ: صَرَفَه.

  وثَناهُ: أَخَذَ نِصْفَ مالِهِ أَو ضمَّ إليه ما صارَ به اثْنَيْنِ.

  وثِنْيُ الوُشاحِ: ما انْثَنَى منه، والجَمْعُ الأَثْناءُ، قالَ:

  تَعَرُّضَ أَثْنَاء الوِشَاحِ المُفَصَّل⁣(⁣١)

  وثَنَى رِجْلُه عن دابَّتِه: ضمَّها إلى فخذِهِ فنَزلَ.

  وإذا فَعَلَ الرَّجُلُ أَمْراً ثم ضمَّ إليه أمراً آخَرَ قيلَ ثَنَّى بالأَمْرِ الثاني تَثْنِية.

  وفي الحدِيثِ: «وهو ثانٍ رِجْلَه أَي عاطِفٌ قَبْل أَنْ يَنْهَض.

  وفي حدِيثٍ آخَرَ: قَبْلَ أَنْ يَثْنيَ رِجْلَه»، قالَ ابنُ الأثيرِ: هذا ضِدّ الأوّل في اللفْظِ ومِثْله في المعْنَى، لأنَّه أَرادَ قَبْل أن يصرفَ رِجْلَه عن حالَتِه التي هي عليها في التَّشهّدِ.

  وثَنَى صَدْرَه يَثْنِيه ثنيّاً: أَسَرَّ فيه العَداوَةَ، أَو طَوَى ما فيه اسْتِخْفاء.

  ويقالُ للفارِسِ إذا ثَنَى عُنُقَ دابَّتِه عنْدَ شدَّة حُضْرِه: جاءَ ثانيَ العِنانِ.

  ويقالُ للفَرَسِ نَفْسِه: جاءَ سابِقاً ثانِياً إذا جاءَ وقد ثَنَى عُنُقَه نشاطاً لأنَّه إذا أَعْيى مدَّ عُنُقَه؛ ومنه قولُ الشاعِرِ:

  ومَنْ يَفْخَرْ بمثلِ أَبي وجَدِّي ... يَجِئْ قبل السَّوابق وهُو ثانِي⁣(⁣٢)

  أَي كالفَرَسِ السَّابِقِ، أَو كالفارِسِ الذي سبقَ فَرسُه الخَيْلَ.

  و {ثانِيَ عِطْفِهِ}: كِنايَةٌ عن التّكبرِ والإعْراضِ. كما يقالُ: لَوَى شدْقَه ونَأَى بجانِبهِ.

  ويقالُ: فلانٌ ثانِي اثْنَيْن، أَي هو أَحَدُهما، مُضافٌ، ولا يقالُ هو ثانٍ اثْنَيْن، بالتَّنْوِين.

  ولو سُمِّي رَجُل باثْنَيْن أَو باثْنَي عشر لقُلْت في النِّسْبةِ إليه ثَنَويٌّ في قوْلِ مَنْ قالَ في ابْنٍ بَنَوِيٌّ، واثْنِيٌّ في قوْلِ مَنْ قالَ ابْنِيٌّ.


(١) لامرئ القيس، في ديوانه ط بيروت ص ٣٩ وصدره:

إذا ما الثريا في السماء تعرضت

والبيت في الأساس وعجزه في اللسان والتهذيب.

(٢) اللسان والتهذيب.