تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[نخشب]:

صفحة 425 - الجزء 2

  وفي حديثِ مُوسَى، عليه الصَّلاةُ والسَّلام: «وإِنّ بالحجرِ نَدَباً سِتَّةً أَو سَبْعَةً من ضَرْبِهِ إِيَّاهُ»؛ فشَبَّهَ أَثَرَ الضَّرْب في الحجر بأَثَرِ الجُرْحِ. وفي حديث مجاهِدٍ: «أَنّه قَرَأَ {سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}⁣(⁣١) فقال: ليس بالنَّدَب، ولكنَّهُ صُفْرةُ الوَجْهِ والخُشُوعُ» واستعارَهُ بعضُ الشُّعرَاءِ للعِرضِ، فقال:

  نُبِّئْتُ قَافِيَةً قِيلَتْ تَناشَدَها ... قَوْمٌ سَأَتْرُكُ في أَعْرَاضِهِمْ نَدَبا

  أَي: أَجْرحُ أَعراضَهم بالهِجاءِ، فيُغادرُ فيها ذلك الجَرْحُ نَدَباً.

  ونَدَبَهُ إِلى الأَمْرِ، كنَصَرَ، يَنْدُبُهُ، نَدْباً: دعاهُ، وحَثَّهُ.

  والنَّدْبُ: أَنْ يَنْدُبَ إِنسانٌ قَوماً إِلى أَمْرٍ أَو حَربٍ أَو مَعُونةٍ، أَي: يدعوهم إِليه، فينْتَدِبُون له، أَي: يُجِيبُونَ ويُسَارِعُونَ. وقال الجَوْهَرِيّ: يقال: نَدَبَهُ للأَمْر⁣(⁣٢)، فانْتَدَبَ له؛ أَي دَعاهُ له، فأَجابَ.

  ونَدَبَهُ إِلى أَمْرٍ: وَجَّهَهُ إِليه. وفي الأَساس: نُدِب لِكَذا، أَو إِلى⁣(⁣٣) كَذَا، فانْتَدَبَ له. وفُلانٌ مندوبٌ لأَمْرٍ عظيم، ومُنَدَّبٌ له.

  وأَهلُ مَكَّةَ يُسَمُّونَ الرُّسُلَ إِلى دارِ الخِلافةِ: المُنَدَّبَةَ.

  ومن المجاز: أَضَرَّتْ به الحاجَةُ، فأَندَبَتْهُ إِنْداباً شديداً: أَي أَثَّرَتْ فيه. وما نَدَبَنِي إِلى ما فَعلتُ إِلّا النُّصْحُ لك.

  ونَدَبَ المَيِّتَ بعدَ مَوْتِه، هكذا قاله ابْنُ سِيدَهْ، من غيرِ أَنْ يُقَيِّدَ ببُكَاءٍ، وهو من النَّدَبِ للجِراحِ⁣(⁣٤)، لأَنّه احْتراقٌ ولَذْعٌ من الحُزْن. وفي الصَّحاح، نَدَبَ المَيِّتَ: بَكاه، وعبارةُ الجوهريّ: بَكَى عليه وعَدَّدَ مَحاسِنَهُ وأَفْعَالَهُ، يَنْدُبُهُ، نَدْباً، والاسْمُ النُّدْبَةُ، بالضَّمّ. وفي المُحْكَم: النَّدْبُ: أَنْ تَدْعُوَ النّادِبةُ الميِّتَ⁣(⁣٥) بحُسْن الثَّناءِ في قولِها: وا فُلاناهْ: وا هَنَاهْ: واسْمُ ذلك الفِعْلِ: النُّدْبَةُ. وهو من أبوابِ النّحْو: كُلُّ شَيْءٍ في نِدَائهِ واوٌ. فهو من باب النُّدْبَة. وفي الحديثِ «كُلُّ نادِبةٍ، كاذبةٌ إِلا نادبةَ سَعْدٍ»، وهو من ذلك. وأَنْ تَذكُرَ النّائحةُ الميِّتَ بأَحسنِ أَوصافِهِ وأَفعالِه. وفي المِصْباح: نَدَبَتِ المرأَةُ المَيِّتَ، من باب قَتَلَ وهي نادبةٌ، والجمعُ نَوادِبُ، لأَنّه كالدُّعاءِ؛ فإِنّها تُعدِّد مَحَاسِنَهُ، كَأَنَّه يَسمعُها. قال شيخُنَا: ففيه أَنَّ النُّدْبَةَ خاصَّةٌ بالنِّسَاءِ، وأَنّ إِطلاقها على تَعْدادِ محاسِنِ الميّتِ، كالمَجَاز، من: ندَبَهُ إِلى الأَمْر: إِذا دعاهُ إِليه، وكِلاهُمَا صرَّح به جماعةٌ. ثمّ قال: النُّدْبَةُ: مَأْخُوذَةٌ من النَّدَبِ، وهو الأَثَرُ، فكَأَنَّ النَّادِبَ يذكُرُ أَثَرَ مَنْ مَضَى. ويُشْبِهُ أَن يكونَ من النَّدْب، وهو الخِفَّةُ، ورَجُلٌ نَدْبٌ: أَي خَفِيف كما يأْتِي.

  والنُّدْبَةُ إِنّما وُضِعَتْ تَخفِيفاً، فهي ثلاثةُ اشتقاقات انتهى.

  والمَنْدُوبُ: المُسْتحَبُّ، كذا حَقَّقه الفُقَهاءُ. وفي الحديث «كان له فَرَسٌ يُقَال له المندوبُ» أَي المطلوب، وهو من النَّدَبِ: وهو الرَّهْنُ الّذِي يُجْعلُ في السِّبَاق، وقيل: سُمِّيَ به لِنَدَبٍ كان في جسمه، وهو⁣(⁣٦) أَثَرُ الجُرْح كذا في اللّسان.

  ومَندُوبٌ، بلا لام: اسْمُ فَرَسِ أَبي طَلْحةَ زَيْدِ بْنِ سَهْلٍ الأَنْصَارِيِّ، القائلِ: أَنَا أَبُو طَلْحَةَ واسْمِي زَيْدْ ركِبَهُ سيِّدُنا رسولُ اللهِ، صلَّى اللهُ تعالَى عليه وسَلَّمَ، فقال فيه: وإِنْ - كما في الصَّحاح - وَجَدْنَاهُ لَبَحْراً، وفي رواية: إِنْ وَجَدْناهُ بَحْراً.

  ومَندوبٌ أَيضاً: اسْمُ فَرَسِ مُسْلمِ بْنِ ربيعةَ الباهِلِيِّ.

  ومندوب: ع كانت لهم فيه وَقْعَةٌ، وله يومٌ يسمَّى بِاسْمِهِ.

  والنَّدْبُ: الرَّجُلُ الخَفِيفُ في الحاجَةِ، والسَّرِيعُ الظَّرِيفُ النَّجِيبُ وكذلِك الفَرسُ. وفي الأَساسِ: رجل نَدْبٌ: إِذا نُدِبَ، أَي وُجِّهَ، لِأَمْر عظيمٍ خَفَّ لَهُ⁣(⁣٧). وأَرَاكَ نَدْباً في الحوائج. ج: نُدُوبٌ بالضَّمّ، وهو مَقِيسٌ، ونُدَباءُ، بالضَّمِّ


(١) سورة الفتح الآية ٢٩.

(٢) الصحاح: لأمرٍ.

(٣) الأساس: وإلى كذا.

(٤) عن اللسان، وبالأصل «الجراح».

(٥) عن اللسان، وبالأصل «بالميت».

(٦) «وهو» عن النهاية واللسان، وفي الأصل «وهي» ونبه إلى ذلك بهامش المطبوعة المصرية.

(٧) عبارة الاساس: ورجل ندب إذا ندب لأمر خفّ له.