تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[نضب]:

صفحة 439 - الجزء 2

  والمَنَاصِبُ: موضعٌ، عن ابن دُرَيْد، وبه فسَّروا قول الأَعلم الهُذَلِيّ:

  لَمّا رأَيْتُ القَوْمَ بِالْ ... عَلْيَاءِ دُونَ قِدَى المَنَاصِبْ⁣(⁣١)

  وقرأَ زَيْدُ بْنُ عليٍّ: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصِبْ، بكسر الصّاد، والمعنى واحدٌ.

  والنَّصَّابُ، ككَتّان: الّذي يَنْصبُ نَفْسهُ لعملٍ لم يُنْصَبْ له، مثل أَن يَتَرَسَّل وليس برسولٍ، نقله الصّاغانيّ. قلتُ: واستعمله العامَّةُ بمعنى الخَدَّاع المُحْتَال.

  [نضب]: نَضَبَ الشَّيْءُ: سالَ وجرَىَ.

  ونَضَب الماءُ، يَنْضُبُ بالضّمّ، نُضُوباً: إِذا ذَهَبَ في الأَرْض. وفي المُحْكَم: غارَ، وبَعُدَ، وفي الصَّحاح: سَفَلَ، أَنشد ثعلبٌ:

  أَعْدَدْتُ لِلْحوْضِ إِذا ما نَضَبَا ... بَكْرَةَ شِيزَى ومُطَاطاً سَلْهَبَا

  كَنَضَّبَ، بالتّشديد. وفي المِصباح ويَنْضِبُ، بالكسر أَيضاً، وهو لغة. قال شيخُنا: وهو غريبٌ.

  وفي الأَساس: وغَديرٌ ناضِبٌ، وعَيْنٌ مُنضِّبَةٌ: غارَ ماؤُهَا.

  ونَضَبَتْ عُيُونُ الطّائف. ثُمَّ إِنَّ تقييدَنَا في نَضَب بالشَّيْءِ لإِخراج الماءِ، وإِن كان داخلاً في الشّيْءِ كما قيَّده غيرُ واحدِ من أَئمّة الُّلغَة، فلا يلزم عليه ما قاله شيخُنَا من أَنّه يُؤْخَذُ من مجموع كلاميه أَن نَضَب من الأَضداد، يقال بمعنى سالَ وبمعنى غال، وهو ظاهر.

  وفي الحديثِ: «ما نَضَبَ عنهُ البَحْرُ، وهو حَيٌّ، فماتَ، فكُلُوهُ»، أَي: نَزَحَ ماؤُه، ونَشِفَ. وفي حديثِ الأَزْرقِ [بن قيسٍ]⁣(⁣٢): «كُنّا على شاطئِ النَّهْرِ بالأَهْوَاز، وقَد نَضَبَ عنه الماءُ».

  قال ابْنِ الأَثِيرِ: وقد يُستعارُ للمعاني، ومنه حديثُ أَبِي بكْرٍ: نَصَبَ عُمْرُهُ، وضَحَا ظِلُّهُ»، أَي: نَفِد عُمْرُه وانقضى، وهو مراد المؤلِّف من قوله: ونَضَبَ فُلانٌ: ماتَ فهو إِذاً مجازٌ، ولا يُلتقَت إِلى قول شيخِنا: إِنَّ أَكثَرَ الأَئِمّة أَغْفَل ذِكْرَه.

  ونَضَبَ الخِصْبُ: إِذا قَلَّ، أَو: انقطَع.

  ونَضَبَتِ الدَّبَرَةُ: اشْتَدَّتْ. ومن المَجَاز: نَضَبَ الدَّبَرُ: اشْتَدَّ أَثَرُهُ في الظَّهْر، وغاب فيه⁣(⁣٣).

  ونَضَبَت المفَازَةُ نُضُوباً: بَعُدتْ.

  ومن المجاز: خَرْقٌ⁣(⁣٤) ناضِبٌ: أَي بَعيدٌ.

  ونَضَبَت عَيْنُهُ، تَنْضُب، نُضُوباً: غارَتْ، أَو هو خاصٌّ بِعيْنِ النّاقةِ وأَنشد ثعلب:

  من المُنْطيات المَوْكبَ المَعْجَ بَعْدَ مَا يُرَى في فُرُوعِ المُقْلَتَيْنِ نُضُوبُ

  وعن أَبي عَمْرٍو: أَنْضَب القَوْسَ جَذَبَ وَتَرَها، لِتُصَوِّتَ، كأَنْبَضَهَا لغةٌ فيه. قالَ العجّاجُ:

  تُرِنُّ إِرْناناً إِذا ما أَنْضَبا

  وهو إِذا مَدَّ الوَتَرَ ثُمَّ أَرسلَه. وقيل: أَنْضَبَ القَوْسَ: إِذا جَذَبَ وَتَرَها بغير سَهْمٍ، ثم أَرسلَه. وفي لسان العرب: قال أَبو حنيفةَ: أَنْضَبَ [في]⁣(⁣٥) قَوْسَهُ، إِنْضَاباً: أَصَاتَها، مقلوبٌ. قال أَبو الحسن: إِنْ كانت أَنضَبتْ⁣(⁣٦) مقلوبةً فلا مصدرَ لها؛ لأَنّ الافعال المقلوبةَ، ليست لها مصادرُ، لِعلَّة قد ذكَرها النَّحْوِيُّون: سِيبوَيْه، وأَبُو عليٍّ، وسائرُ الحُذّاق، وإِن كان أَنْضَبتْ لغةً في: أَنبضَتْ، فالمصدرُ فيه سائغٌ حَسَنٌ. فأَمّا أَن يكونَ مقلوباً ذا مصدر كما زَعَمَ أَبو حنِيفَةَ، فمُحَالٌ. وصرَّحَ بالقَلْب أَيضاً الجَوْهَرِيُّ، وأَبو منصورٍ. قال شيخُنَا: قلتُ: كأَنّه يُشيرُ إِلى أَنّ القلْب الّذِي ذكره الجَوْهَرِيُّ إِنّما يَصِحُّ إِذا كانَ أَنْبض فِعْلاً، ليس له مصدرٌ؛ لأَنّ شرطَ المقلوب من لفظِ أَن لا يَتصرَّفَ تَصرُّفَه. أَما إِذا كان له مصدرٌ، فلا قَلْبَ، بل كُلُّ كلمةٍ، مستقِلَّةٌ بنفْسِهَا، ليست مقلوبةً من غيرها، كما هو رأْيُ أَئمّةِ الصَّرف وعلماءِ العربيّة: سيبويْهِ، وغيره. ونقله


(١) في معجم البلدان: مدى المناصب.

(٢) زيادة عن النهاية واللسان.

(٣) اللسان والأساس.

(٤) الخرق هنا بمعنى الصحراء.

(٥) زيادة عن اللسان.

(٦) اللسان: أنضب.