[نسي]:
  فلَسْت بصَرَّام ولا ذِي مَلالةٍ ... ولا نِسْوةٍ للعَهْدِ يا أُمَّ جَعْفَرِ
  ضِدُّ حَفِظَه وذَكَرَه.
  وقال الجَوْهرِي: نَسِيتُ الشيءَ نِسْياناً، ولا تَقُلْ نَسَياناً، بالتّحْريكِ، لأنَّ النَّسَيان إنَّما هو تَثْنِيَةُ نَسا العِرْق.
  وأَنْساهُ إيَّاهُ إنساءً؛ ثم إنَّ تَفْسيرَ النِّسْيان بضِدِّ الحفْظِ والذِّكْر هو الذي في الصِّحاح وغيرِهِ.
  قال شيخنا: وهو لا يَخْلو عن تأَمّلٍ، وأَكْثَر أَهْلِ اللغَةِ فَسَّرُوه بالتَّرْكِ وهو المَشْهورُ عنْدَهُم، كما في المَشارِقِ وغيرِهِ، وجَعَلَه في الأساسِ مجازاً؛ وقال الحافِظُ ابنُ حَجَر: هو مِن إطْلاقِ المَلْزومِ وإرادَة الَّلازِم لأنَّه مِن نَسِيَ الشيءَ تَرَكَه بِلا عكْسٍ.
  قُلْت: قالَ الرَّاغبُ: النِّسْيانُ: تَرْكُ الإِنْسانِ ضَبْط ما اسْتُوْدِعَ إمَّا لضَعْفِ قَلْبِه وإمَّا عن غَفْلةٍ أَو عن قَصْدٍ حتى يَنْحذفَ عن القَلْبِ ذِكْرُه، انتَهَى.
  والنِّسْيانُ عنْدَ الأطبَّاء: نُقْصانٌ أَو بُطْلان لقُوّةِ الذَّكاءِ.
  وقولهُ، ø: {نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ}(١)؛ قالَ ثَعْلبُ: لا يَنْسى الله، ø، إنَّما مَعْناه تَرَكُوا الله فتَرَكَهم، فلمَّا كانَ النِّسْيانُ ضَرْباً من التَّرْكِ وَضَعَه مَوْضِعَه.
  وفي التَّهْذيب: أَي تَرَكُوا أَمْرَ الله فتَرَكَهم مِن رَحْمتَهِ.
  وقولهُ تعالى: {فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى}(٢)، أَي تَرَكْتَها فكَذلكَ تُتْرَكُ في النارِ.
  وقولهُ، ø: {وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ}(٣)، مَعْناه أَيْضاً تَرَكَ لأنّ الناسِي لا يُؤاخَذُ بنِسْيانِه، والأوَّل أَقْيَس.
  وقولهُ تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى}(٤)، إخْبارٌ وضَمانٌ مِن الله تعالى أَنْ يَجْعلَه بحيثُ أنَّه لا يَنْسى ما يَسْمَعه من الحَقِّ؛ وكلُّ نِسْيانٍ مِن الإِنْسانِ ذَمّه الله تعالى فهو ما كانَ أَصْله عن تَعَمُّدٍ منه لا يُعْذَرُ فيه، وما كانَ عن عُذْرٍ فإنَّه لا يُؤاخَذُ به؛ ومنه الحديثُ: «رفِعَ عن أُمَّتِي الخَطَأ والنِّسْيان»، فهو ما لم يَكُنْ سَبَبه منه؛ وقولُه، ø: {فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنّا نَسِيناكُمْ}(٥) هو ما كانَ سَبَيه عن تَعَمُّدٍ منهم، وتَركه على طرِيقِ الاسْتِهانَةِ(٦)، وإذا نسبَ ذلكَ إلى الله فهو تركه إيَّاهم اسْتِهانَةً بهم ومُجازَاةً لمَا تَرَكُوه.
  وقولُه تعالى: {لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ}(٧)، فيه تَنْبِيه على أنَّ الإِنسانَ بمَعْرِفَتِه لنَفْسِهِ يَعْرفُ الله، ø، فنِسْيانُه لله هو مِن نِسْيانِه نَفْسه.
  وقولهُ تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ}(٨)، حَمَلَه العامَّة على النَّسْيانِ خِلاف الحِفْظ والذِّكْر. وقالَ ابنُ عبَّاس: مَعَناهُ إذا قُلْت شيئاً ولم تَقُل إن شاءَ الله فقُلْه إذا تَذَكَّرْتَه.
  قال الرَّاغبُ: وبهذا أَجازَ الاسْتِثْناءَ بَعْد مدَّة.
  وقال عِكْرِمةِ: مَعْناه ارْتَكَبْتَ ذَنْباً، أَي اذْكُرِ الله إذا أَرَدْتَ أَو قَصَدْتَ ارْتِكابَ ذَنْبٍ يَكُن ذلكَ كافا لك(٩).
  وقال الفرَّاء في قولهِ تعالى: {ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها}(١٠)، عامَّة القُرَّاء يَجْعلُونَه مِن النِّسْيان، والنِّسْيانُ هنا على وَجْهَيْن: أَحَدُهما على التَّرْك المَعْنى نَتْرُكُها فلا نَنْسَخها ومنه قولهُ تعالى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}(١١)؛ والوَجْه الآخَرْ: مِن النِّسْيان الذي يُنْسَى.
  وقال الزجَّاج: وقُرِئَ: {أَوْ نُنْسِها}، وقُرِئَ: نُنَسِّها، وقُرِئ، نَنْسَأَها، قالَ: وقولُ أَهْل اللغَةِ في قولهِ {أَوْ نُنْسِها} على وَجْهَيْنِ: يكونُ مِن النِّسْيان واحْتَجُوا بقولهِ تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلّا ما شاءَ اللهُ}، فقد أَعْلَم الله أَنَّه
(١) سورة التوبة، الآية ٦٧.
(٢) سورة طه، الآية ١٢٦.
(٣) سورة طه، الآية ١١٥.
(٤) سورة الأعلى، الآية ٦.
(٥) سورة السجدة، الآية ١٤.
(٦) في المفردات: الإهانة.
(٧) سورة الحشر، الآية ١٩.
(٨) سورة الكهف، الآية ٢٤.
(٩) في المفردات: دافعاً لك.
(١٠) سورة البقرة، الآية ١٠٦.
(١١) سورة البقرة، الآية ٢٣٧.