تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل النون مع الواو والياء

صفحة 241 - الجزء 20

  يَشاءُ أَن يَنْسَى، قالَ: وهذا القولُ عنْدِي غيْرُ جائِزٍ، لأنَّ الله تعالى قد أَخْبَر النبيَّ، ، في قولِه: {وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا}⁣(⁣١)، أنَّه لا يَشاءُ أَن يَذْهَبَ بما أَوْحَى به إلى النبيِّ، ، قالَ وقولهُ: {فَلا تَنْسى}، أَي فلسْتَ تَتْرُك {إِلّا ما شاءَ اللهُ} أَن يَتْرُك، قالَ: ويجوزُ أَن يكونَ {إِلّا ما شاءَ اللهُ} ممَّا يَلْحَق بالبَشَرِيَّة ثم يَذْكُر بعْدُ ليسَ أنَّه على طرِيقِ السّلْب للنبيِّ، شيئاً أُوتِيَه مِن الحِكْمةِ، قالَ: وقيلَ في قولهِ تعالى: {أَوْ نُنْسِها} قولٌ آخَرُ، وهو خَطَأٌ أَيْضاً، ونَتْرُكُهَا، وهذا إنَّما يقالُ فيه نَسِيت إذا تَرَكْت، ولا يقالُ أُنْسِيت تَرَكْت، قالَ: وإنَّما مَعْنى {أَوْ نُنْسِها} أَي نَأْمُرْكُم بتَرْكِها.

  قال الأزْهري: وممَّا يقوِّي هذا ما رُوِي عن ثَعْلَب عن ابنِ الأعْرابي أنَّه أَنْشَدَه:

  إنَّ عليَّ عُقْبةً أَقْضِيها ... لَسْتُ بناسِيها ولا مُنْسِيها⁣(⁣٢)

  قال بناسِيها بتارِكِها، ولا مُنْسِيها: ولا مُؤخِّرها، فوافَقَ قولُ ابن الأعْرابي قولَه في النَّاسِي إنَّه التَّارِكِ لا المُنْسِي، واخْتَلَفا في المُنْسِي.

  قالَ الأزْهرِي: وكأنَّ ابنَ الأعْرابي ذَهَبَ في قولِه: ولا مُنْسِيها إلى تَرْكِ الهَمْز مِن أَنْسَأْتُ الدَّيْن إذا أَخَّرْته، على لُغَةِ مَنْ يُخَفِّفُ الهَمْزةَ.

  هذا ما ذَكَرَه أَهْلُ اللغةِ في النِّسْيان والإنْساءِ. وأَمَّا إطْلاقُ المُنْسِي على الله تعالى هل يَجوزُ أَو لا، فقد اخْتَلَفَ فيه أَهْلُ الكَلام، وغايَةُ مَن احْتَج بعدَم إطْلاقِه على الله تعالى أنَّه خِلافُ الأدَبِ، وليسَ هذا محلُّ بَسْطه، وإنَّما أَطَلْتُ الكَلامَ في هذا المجال، لأنَّه جَرَى ذِكْرُ ذلكَ في مجْلِسِ أَحَدِ الأُمرَاءِ في زمانِنا فحصَلَتِ المُشاغَبَةُ مِن الطَّرفَيْن وأَلَّفُوا في خُصوصِ ذلكَ رسائِلَ، وجَعَلوها للتَّقَرُّبِ إلى الجاهِ وسائِلَ، والحَقُّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَع وهو أَعْلَم بالصَّواب. والنِّسْيُ بالكسر ويُفْتَحُ، وهذه عن كُراعٍ ما نُسِيَ.

  وقالَ الأخفش هو ما أُغْفِلَ مِن شيءٍ حَقِيرٍ ونُسِيَ.

  وقال الزجَّاج: هو الشيءُ المَطْروحُ لا يُؤْبَه له؛ قال الشَّنْفَرَى:

  كأنَّ لها في الأرضِ نِسْياً تَقُصُّه ... على أمِّها أَو إن تُخاطِبْكَ تَبْلَتِ⁣(⁣٣)

  وقال الرَّاغبُ: النِّسْيُ أَصْلُه ما يُنْسَى كالنّقْض⁣(⁣٤) لمَا يُنْقَضُ، وصارَ في التَّعارُفِ اسْماً لمَا يقل الاعْتِدادُ به، ومنه قولهُ تعالى حِكايَةً عن مَرْيم: وكُنْت نِسْياً مَنْسِيًّا⁣(⁣٥)، وأَعْقَبَه بقولِه: مَنْسِيًّا لأنَّ النِّسْيَ قد يقالُ لمَا يقل الاعْتِدادُ به وإن لم يُنْسَ، قالَ: وقُرِئَ نَسْياً، بالفَتْح⁣(⁣٦)، وهو مَصْدَرٌ مَوْضوعٌ مَوْضِع المَفْعول.

  وقال الفرَّاء: النِّسْيُ، بالكسر والفَتْح، ما تُلْقِيهِ المرأَةُ من خِرَقِ اعْتِلالِها، مِثْلَ وتْرٍ ووَتْرٍ، قالَ: ولو أَرَدْتَ بالنِّسْي مَصْدَر النِّسْيان لجازَ، أَي في الآيَةِ.

  وقال ثعْلَب: قُرِئَ بالوَجْهَيْن، فمَنْ قَرَأَ بالكَسْر فعَنَى خِرَقَ الحَيْض التي يُرْمَى بها فتُنْسَى، ومَنْ قَرَأَ بالفتح فمعْناهُ شيئاً مَنْسِيًّا لا أُعْرَفُ.

  وفي حديثِ عائِشَةَ: «وَدِدْتُ أَنِي كُنْتُ نِسْياً مَنْسِيًّا»، أَي شيئاً حَقِيراً مُطَّرَحاً لا يُلْتَفَتُ إليه.

  والنَّسِيُّ، كغَنِيٍّ: مَنْ لا يُعَدُّ في القوْمِ لأنَّه مَنْسِيٌّ.

  وأيْضاً: الكثيرُ النِّسْيانِ يكونُ فَعِيلاً وفَعُولاً وفَعِيلٌ أَكْثَر لأنَّه لو كانَ فَعُولاً لقيلَ نَسُوّ أيْضاً.

  كالنَّسْيانِ، بالفتح؛ نقلَهُ الجَوْهرِي.


(١) سورة الإسراء، الآية ٨٦.

(٢) اللسان والتهذيب.

(٣) المفضلية ٢٠ البيت ٩ برواية:

على أمها وإن تكلمك تبلتِ

والمثبت كرواية اللسان والصحاح وفيهما «وإن» والمقاييس ٥/ ٤٢٢ كرواية المفضليات، والتهذيب.

(٤) عن المفردات، وبالأصل: كالنفض لما ينفض.

(٥) سورة مريم، الآية ٢٣.

(٦) في المفردات ضبط قلم: «نِسِيًّا».