فصل الواو مع نفسها ومع الياء
  ووَرَّى عنه بَصَرَه؛ إذا دَفَعَه؛ هكذا في النسخِ وهو غَلَطٌ، صَوابُه: وَرَّى عنه تَوْرِيَةً نَصَرَه ودَفَعَه عنه؛ وهو نَصُّ ابنِ الأعْرابي؛ ومنه قولُ الفَرَزْدق:
  فلو كنت صُلْبَ العُودِ أَو ذا حَفِيظةٍ ... لَوَرَّيْتَ عن مَوْلاكَ والليلُ مُظْلِمُ(١)
  يقولُ: نَصَرْتَه ودَفَعْتَ عنه.
  وتَوَارَى الرَّجُلُ: اسْتَتَرَ واخْتَفَى.
  والتَّرِيَّةُ، كغَنِيَّةٍ: اسْمُ ما تَراهُ الحائِضُ عنْدَ الاغْتِسالِ، وهو الشَّيءُ الخَفِيُّ اليَسِيرُ، وهو أَقَلُّ من الصُّفْرَةِ والكُدْرَةِ، وهو عنْدَ أَبي عليٍّ فَعِيلةٌ مِن هذا، لأنَّها كأَنَّ الحَيْضَ وَارَى بها عن مَنْظِر العَيْن، قالَ ويجوزُ أَنْ تكونَ مِن ورى الزِّنادُ إذا أَخْرَجَ النارَ، كأَنَّ الطّهْرَ أَخْرَجَها وأَظْهَرَها بعْدَ ما كانَ أَخْفاها الحَيْض.
  قُلْتُ: وقد تقدَّمَ ذِكْرُه في رَأى فرَاجِعْه.
  ومِسْكٌ وارٍ: رفِيعٌ جدّاً؛ كذا في النسخِ والصَّوابُ رفِيعٌ جَيِّدٌ؛ وفي نَصّ النّوادِرِ لابنِ الأعْرابي: جَيِّدٌ رفِيعٌ وأَنْشَدَ:
  تطرُّ بالجادِيِّ والمِسْكِ الوَارِي
  (٢) والوَرَى، كفَتًى: الخَلْقُ، مَقْصورٌ يُكْتَبُ بالياءِ. يقالُ: ما أَدْري أَيَّ الوَرَى هو، أي أَيّ الخَلْقِ، وأَنْشَدَ ابنُ سِيدَه والقالِي لذي الرُّمّة:
  وكائنْ ذَعَرْنا مِن مَهاةٍ ورامحٍ ... بِلادُ الوَرَى ليسَتْ له ببِلادِ(٣)
  قال ابنُ برِّي: قال ابنُ جنِّي: لا يُسْتَعْملُ الوَرَى إلَّا في النَّفْي، وإنما سَوَّغ لذي الرُّمَّة اسْتِعْماله واجباً لأنَّه في المَعْنى مَنْفيٌّ كأنَّه قالَ ليسَتْ بِلادُ الوَرَى له ببِلاد.
  وَوَرَاءَ، مُثَلَّثَةَ الآخِرِ مَبْنِيَّةً، والوَراءُ مَعْرِفَةً، يكونُ بمعْنَى خَلْفَ، وقد يكونُ بمعْنَى قُدَّامَ، فهو ضِدٌّ؛ كما في الصِّحاحِ.
  وقولهُ تعالى: {كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ}(٤)، أَي أَمامَهم، وأنْشَدَ ابنُ برِّي لسَوَّارِ بنِ المُضَرِّب:
  أَيَرْجُو بَنُو مَرْوانَ سَمْعي وطاعَتِي ... وقَوْمِي تَمِيمٌ والفَلاةُ وَرائِيا؟
  أَي أَمامِي.
  وقالَ لبيدٌ:
  أَليسَ وَرائِي إنْ تَراخَتْ مَنِيَّتي ... لُزُومُ العَصا تُثْنى عليها الأصابِعُ؟(٥)
  أَي أَمامِي.
  وقالَ مُرَقِّش:
  ليسَ على طُولِ الحَياةِ نَدَمْ ... ومِنْ وَراءِ المَرْءِ ما يَعْلَم(٦)
  أَي قُدَّامُه الشَّيْبُ والهَرَمْ.
  وقال جَريرِ:
  أَتُوعِدُني وَرَاءَ بَني رَباحٍ؟ ... كَذَبْتَ لَتَقْصُرَنَّ يَدَاكَ دُوني!
  قالَ الجَوْهرِي: قالَ الأخْفَش: يقالُ لَقِيتُه مِن وَراءُ فتَرْفعُه على الغايَةِ إذا كانَ غَيْرَ مُضافٍ تَجْعَلُه اسْماً، وهو غَيْر مُتَمَكّن، كقولك مِنْ قَبْلُ ومِن بَعْدُ، وأَنْشَدَ لعُتَيِّ بنِ مالِكٍ العُقَيْلي:
(١) ديوان الفرزدق ط بيروت ٢/ ٢٢١ برواية:
لو كنت صلب العود أو كابن معمرٍ ... لخضت حياض الموت والليل مظلمُ
والمثبت كرواية اللسان والتهذيب.
(٢) اللسان، وفيه برواية:
تُعلّ بالجادي والمسك الوارْ
(٣) اللسان والصحاح.
(٤) سورة الكهف الآية ٧٩.
(٥) ديوانه ط بيروت ص ٨٩ برواية: «تحنى» بدل «تثنى» والمثبت كرواية اللسان والتهذيب.
(٦) من المفضلية ٥٤ للمرقش الأكبر، البيت ١٥ واللسان.