تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الواو مع نفسها ومع الياء

صفحة 290 - الجزء 20

  إذا أنَا لم أُومَنْ عليكَ ولم يَكُنْ ... لِقاؤُكَ إلَّا مِنْ وَراءُ وَراءُ⁣(⁣١)

  وقولُهم: وَراءَك أَوْسَعُ، نُصِبَ بالفِعْل المُقَدَّرِ، أَي تَأَخَّر، انتَهَى.

  وفي حديثِ الشَّفاعَةِ: «يقولُ إبراهيمُ إنِّي كنتُ خَلِيلاً مِن وَراءَ وَراءَ»، هكذا يقالُ مَبْنيّاً على الفَتْح، أَي مِن خَلْف حِجابٍ.

  وفي الأساس: قيلَ للمُخَبَّل: قاوِمِ الزِّبْرقان، فقالَ: هو أَنْدَى مني صَوْتاً وأَكْثَرُ رِيقاً، ولا أَقومُ له بالمُواجَهَةِ ولكنْ دَعوني أُهادِيه الشِّعْرَ مِن وَراءُ وَراءُ.

  أوْ لا، أَي: ليسَ بضِدِّ، لأَنَّه بمعْنًى واحِدٍ، وهو ما تَوارَى عَنْك يكونُ خَلْف ويكونُ قُدَّام وإليه ذَهَبَ الزجَّاج والآمِدِي في المُوازَنَةِ.

  وقد ذَكَرَ المصنّفُ هذا اللَّفْظ في المَهْموزِ وجَزَمَ بأنَّه مَهْموزُ. ووهم الجَوْهرِي في ذِكْره هنا، وتَراهُ قد تَبِعَه من غَيْرِ تَنْبِيه عليه، وهو غَرِيبٌ وجَزَمَ هناك بالضِّدِيَّة كالجَوْهرِي، وهنا ذَكَرَ القَوْلَيْن وذَكَرَ هناك تَصْغيرَ وَراء وأَهْمَلَه هنا، وهو قُصُورٌ لا يَخْفى، ثُم قولهُ: لأنَّه بمعْنًى وهو ما تَوارَى عنك، فيه تأمّل. والذي صَرَّح به المُحقِّقون أنَّه في الأصْلِ مَصْدَر جُعِلَ ظَرْفاً فقد يُضافُ إلى الفاعِلِ فيُرادُ به ما يُتوارَى به وهو خَلْف، وإلى المَفْعولِ فيُرادُ به ما يُواريه وهو قُدَّام، فانَظُر ذلك.

  والوَراءُ أَيْضاً: وَلَدُ الوَلَدِ، سَبَقَ ذِكْرُه في الهَمْزِ، وبه فَسَّر الشَّعْبي قولَه تعالى: {وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ}⁣(⁣٢) وفي حديثِه: أنَّه رأَى مع رجُلٍ صَبِيّاً فقالَ: هذا ابْنُك؟

  قالَ: ابنُ ابني، قالَ: هو ابْنُك مِن الوَرَاءِ.

  ووَرِيَ المُخُّ، كوَلِيَ يَرِي وَرْياً: اكْتَنَزَ؛ نقلَهُ الجَوْهرِي.

  وفي الأساس: وَرَى النِّقْيُ وَرْياً: خَرَجَ منه وَدَكٌ كثيرٌ؛ وهو مجازٌ. وممَّا يُسْتدرَكُ عليه: الوَرَى، كفَتًى: داءٌ يصيبُ الرَّجُلَ والبَعيرَ في أجْوافِهِما، مَقْصورٌ يُكْتَبُ بالياءِ.

  يقالُ في دُعاءٍ للعَرَبِ به الوَرَى وحُمَّى خَيْبَر وشَرُّ ما يُرَى فإنَّه خَنْسَرَى⁣(⁣٣)؛ وكانَ أبَو عَمرو⁣(⁣٤) الشَّيْباني والأصْمعي يقولان: لا نَعْرِفُ الوَرَى من الدَّاءِ، بفَتْح الرَّاء، وإنَّما هو الوَرْيُ، بِتَسْكين الرَّاء.

  وقالَ أَحمدُ بنُ عُبيدٍ: الدَّاءُ هو الوَرْيُ، بتَسْكِين الراءِ، فصُرِفَ إلى الوَرَى.

  وقال ثَعْلب: هو بالتَّسْكِين المَصْدَر، وبالفَتْح الاسْم.

  وقالَ يَعْقوب: إنَّما قالوا الوَرَى للمُزاوَجَةِ، وقد يقولونَ فيها ما لا يقولونَ في الإفْرادِ؛ كلُّ ذلكَ نقلَهُ القالِي ومِثْله للأزْهرِي.

  وقد وَرِيَ الرَّجلُ فهو مَوْرُوٌّ، وبعضُهم يقولُ: مَوْرِيٌّ.

  ويقالُ: وَرَّى الجُرْحَ سابرَه⁣(⁣٥) تَوْرِيَةً: أَصابَهُ الوَرْيُ؛ قال العجَّاج:

  عن قُلُبٍ ضُجْمٍ تُوَرِّي مَنْ سَبَرْ

  (⁣٦) كأنَّه يُعْدِي من عِظَمِه ونُفور النَّفْسِ عنه؛ كذا في الصِّحاح.

  قُلْتُ: هكذا أَنْشَدَه الأصْمعي للعجَّاج يَصِفُ الجراحات⁣(⁣٧) وصَدْرُه:

  بَينَ الطِّراقَيْنِ ويَفْلِينَ الشَّعَرْ

  أَي إنْ سَبَرها إنْسانٌ أَصابَهُ منه الوَرْيُ من شِدَّتِها.

  وقالَ ابنُ جَبَلة: سَمِعْتُ ابنَ الأعْرابِي يقولُ في قولهِ


(١) اللسان والصحاح.

(٢) سورة هود الآية ٧١.

(٣) كذا بالأصل «خنسرى» عن ابن دريد، من الخناسير وهي الدواهي، وفي اللسان: خيسرى، فيعلى من الخسران.

(٤) عن اللسان، وبالأصل «أبو عمر».

(٥) في اللسان: «سائره» والأصل كالصحاح.

(٦) الصحاح والتهذيب واللسان وقبله فيه:

بين الطراقين ويفلين الشعر

(٧) عن اللسان والتهذيب وبالأصل «الخراجات».