تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

«فصل السين»

صفحة 59 - الجزء 3

  قال شيخُنَا: قَضِيَّتُه أَنّ المصادرَ السّابقة كُلَّها في جميع المعاني يُبْنَى منها الفعلُ بالوَجْهَيْنِ، والّذي في الصِّحاح أَنَّ الجميعَ بالكَسْر، ولا يُضَمُّ إِلّا في: سَبَت، إِذا نامَ. قلتُ: وكذلك في: سَبَتَ اليهودُ، فإِنّه يُرْوَى فِعْلُه بالوَجْهينِ كما تقدّم.

  والسِّبْتُ، بالكَسْرِ: جُلُودُ البَقَر مَدبوغَةً كانَتْ أَو غَيْرَ مَدْبُوغَةٍ كذا في المُحْكَم. ونقْلَه غيرُه عن أَبي زيد. وقال أَبو حَنِيفَةَ، عن الأَصمعيّ وأَبي زيد: لا يكونُ السِّبْتُ إِلّا من جِلْدِ بقرِ مَدْبوغ.

  والسِّبْتُ، أَيضاً: كُلُّ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ، أَو المدبوغُ بالقَرَظِ. وفي الصِّحاح: السِّبْتُ: جُلودُ البقَرِ المدبوغةُ بالقَرَظ. تُحْذَى مِنه النِّعالُ السِّبْتِيّةُ، انتهى. وقال أَبو عَمْرٍو: كُلّ مدبوغٍ فهو سِبْتٌ. قيل: مأْخُوذٌ من السَّبْت، وهو الخَلْق.

  وفي الحديث: أَنّ النَّبيَّ، ÷، رأَى رَجُلاً يمشي بينَ القُبُورِ في نَعْلَيْهِ، فقال: «يا صاحِبَ السِّبْتَيْنِ، اخْلَعْ سِبْتَيْكِ» قال الأَصمَعيّ: السِّبْتُ: الجِلْدُ المدبوغُ، قال: فإِن كانَ عَلَيْه شَعَرٌ، أَو صُوفٌ⁣(⁣١)، أَو وَبَرٌ، فهو مُصْحَبٌ.

  وقال أَبو عَمْرو: النِّعَالُ السِّبْتِيَّة: هي المدبوغة بالقَرَظ.

  قال الأَزهريّ: وحديثُ النَّبيّ، ÷، يدُلُّ على أَنّ السِّبْتَ ما لا شَعَرَ عليه؛ وقالَ عَنْتَرَةُ:

  بَطَلٌ كأَنَّ ثِيَابَهُ في سَرْحَةٍ ... يُحْذَى نِعَالَ السَّبْتِ ليس بَتَوْأَمِ

  مَدَحه بأَرْبَعِ خِصالٍ كِرام⁣(⁣٢): أَحدهَا⁣(⁣٣) أَنّه جعله بطلاً أَي شجاعاً، الثاني أَنَّه جعلَه طويلاً، شَبَّهَه بالسَّرْحَة؛ الثّالِث أَنّه جعله شريفاً لِلُبْسه نِعَالَ السِّبْتِ؛ الرابع أَنّه جَعلَه تامَّ الخَلْقِ نامِياً، لأَنَّ التَّوْأَم [يكون]⁣(⁣٤) أَنقصَ خَلْقاً وقُوَّةً وعَقْلاً وخُلُقاً. كذا في اللسان.

  وفي الحديث: أَنّ عُبَيْدَ بْنَ جُرَيْج قال لابْنِ عُمَرَ: رأَيتُك تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، فقال: رأَيتُ النَّبِيَّ، ÷، يَلْبَس النِّعالَ التي ليس عليها شَعَرٌ، ويَتوَضَّأُ فيها، فأَنا⁣(⁣٥) أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَها.

  قال: إِنّمَا اعترضَ عليه، لأَنَّها نِعالُ أَهلِ النَّعْمَة والسَّعَة. وفي التَّهْذِيب: كأَنّها سُمّيَت سِبْتِيَّةً، لأَنّ شَعرَها قد سُبِتَ عنها، أَي حُلِقَ وأُزِيلَ بِعِلاجٍ من الدِّباغ معلومٍ [عند دَبَّاغِيها]⁣(⁣٦) ومثلُه في الصِّحاح وقال ابنُ الأَعْرَابي: سُمِّيت النِّعَالُ المدبوغَةُ سِبْتِيَّةً، لأَنّها انسبتَتْ بالدِّباغ أَي لَانَتْ، وهو قول الهَرَوِيّ.

  ومن المجاز: اخْلعْ سِبْتَيْك⁣(⁣٧). وأَرُوني سِبْتَيَّ، كما في الأَساس. وهو مثل قولهم: فلانٌ يَلْبَس الصّوفَ والقُطْن والإِبْرِيسَمَ، أَي الثِّيَابَ المتَّخذة منها، كذا في النهاية.

  ويُرْوَى: يا صاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ⁣(⁣٨)، على النَّسَب. وهكذا وُجِدَ بخطّ الأَزهريّ في كتابه. وإِنّمَا أَمَرَه بالخَلْعِ احتراماً للمَقابر، لأَنَّه [كان]⁣(⁣٩) يَمشِي بينها. وقيل: كان بها قذَرٌ، أَو لاخْتِيَالِه في مَشْيِه. كذا في اللِّسان.

  قلتُ: وعلى قولِ ابنِ الأَعرَابيّ، والّذِي قبْلَه في التَّهْذِيب، يَنبغي أَن يكون بفتح السِّين، وكذا ما نقله ابنُ التِّين عن الدَّاوُوديّ أَنّهَا منسوبةٌ إِلى سُوقِ السَّبْتِ. وفي المنتَهى: أَنَّها منسوبةٌ للسُّبْت، بالضَّمّ، وهو نَبْتٌ يُدْبَغُ به، فيكون بالفتح⁣(⁣١٠)، إِلّا أَنْ يكون من تَغييرات النَّسَب. وأَوردَه شيخُنا.

  والسُّبْتُ، بالضَّمِّ: نَبَاتٌ كالخِطْمِيِّ، عن كُراع، ويُفْتحُ؛ أَنشد قُطْربٌ:

  وأَرْض يَحارُ بها المُدْلِجونَ ... تَرى السُّبْتَ فِيهَا كرُكْنِ الكثِيبِ

  والمُسبِتُ، كمُحْسِنٍ: الَّذِي لا يَتَحرَّكُ، وقد أَسْبَتَ. و: الدَّاخِلُ في يَوْمِ السَّبْتِ، هكذا في سائر النُّسَخ، والأَوْلَى «في السَّبْتِ» من غيرِ لفظِ «يوم» كما هو في


(١) كذا بالأصل واللسان، وفي التهذيب: شعر وصوف. (٦) زيادة عن التهذيب.

(٢) الأصل واللسان، وفي التهذيب: كريمة. (٣) كذا بالأصل والتهذيب واللسان «أحدها ... الثاني ... الثالث والرابع».

(٤) زيادة عن التهذيب. (٥) الأصل واللسان، وفي التهذيب: وأنا.

(٧) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله سبتيك كذا في الصحاح والذي في النهاية نعليك ولعلهما روايتان». (٨) في التهذيب: «السِّبتين» وفي النهاية: السِّبتيين.

(٩) زيادة عن النهاية. (١٠) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله بالفتح كذا بخطه ولعل الصواب بالضم».