تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الميم (مع التاء المثناة الفوقية)

صفحة 137 - الجزء 3

  ومنها: الحُزْنُ والخَوْفُ المُكَدِّرُ للحَياة، كقولِه تعالى: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ}⁣(⁣١).

  ومنها: المَنامُ، كقولِه تَعالى: {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها}⁣(⁣٢) وقد قِيل: المنامُ: المَوْتُ الخَفيفُ، والمَوْتُ: النَّومُ الثَّقِيلُ.

  وقد يُسْتَعارُ الموت للأَحوالِ الشَّاقّةِ، كالفَقْرِ، والذُّلِّ، والسُّؤالِ، والهرم، والمَعْصِيَةِ وغيرِ ذلك، ومنه الحديث: «أَوَّلُ من ماتَ إِبْلِيسُ، لأَنّه أَوّلُ من عَصَى» وفي حَدِيثِ مُوسى #، «قِيلَ له: إِنَّ هامَانَ قد مَاتَ، فلَقِيَه فسَأَلَ ربَّه، فقالَ له: أَما تَعْلَمُ أَن من أَفْقَرْتُه فقَدْ أَمتُّه؟»: وقَولُ عُمرَ ¥ في الحديث: «اللَّبَنُ لا يمُوت» أَرادَ أَنَّ الصبِيَّ إِذا رَضِعَ⁣(⁣٣) امْرأَةً مَيّتةً حرُمَ عليه من وَلدِها وقَرابَتِها ما يَحْرُمُ عليهِ منهم لو كانت حيَّةً وقد رَضِعَها، وقيل: معناه: إِذا فُصِل اللَّبَنُ من الثَّدْي وأُسْقِيَه الصَّبِيُّ فإِنه يَحْرُم به ما يَحْرُم بالرَّضاع، ولا يَبْطُل عملُه بمفَارقَة الثَّدْي، فإِنّ كلَّ ما انْفَصَل من الحَيِّ ميِّت إِلا اللَّبَنَ والشَّعَرَ والصُّوفَ، لِضَرُورةِ الاستعمالِ. انتهى.

  أَو المَيْتُ، مُخَفَّفَةً: الذي ماتَ بالفِعْل.

  والمَيِّتُ، مشدّدة، والمَائِتُ، على فاعل: الذي لم يَمُتْ بَعْدُ، ولكنه بصَدَدِ أَن يَمُوت.

  قال الخليلُ: أَنشَدني أَبو عمرو:

  أَيا سَائِلي تَفْسِيرَ مَيْتٍ ومَيِّتٍ ... فَدُونك قد فَسَّرْتُ إِن كُنْتَ تَعْقِلُ

  فمَنْ كان ذَا رُوحٍ فذلك مَيِّتٌ ... وما المَيْتُ إِلّا مَن إِلى القَبْرِ يُحْمَلُ

  وحكى الجوهريّ عن الفرّاءِ: يُقال لَمِنْ لم يَمُتْ: إِنّه مائِتٌ عن قليلٍ، ومَيِّتٌ، ولا يَقُولون لمن مات: هذا مَائِتٌ.

  قيل: وهذا خَطَأٌ، وإِنما مَيِّتٌ يَصْلُح لما قَدْ ماتَ ولما سَيَمُوت، قال الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}⁣(⁣٤).

  قلتُ: ومن هُنا أَخَذَ صاحبُ القَامُوس، ما جَعَله تَحْقِيقاً، وقد تَحامَل عليه شيخُنا في شَرْحه.

  وجَمع بين اللُّغَتَين عدِيُّ بنُ الرَّعْلاءِ فقال:

  لَيْسَ من ماتَ فاسْتراحَ بِمَيْت ... إِنّما المَيْتُ ميِّتُ الأَحْيَاءِ

  إِنَّما المَيْتُ من يَعِيشُ شَقِيّاً ... كاسِفاً بالُه قليلَ الرَّجاءِ

  فأُنَاسٌ يُمَصَّصُون ثِماداً ... وأُناسٌ حُلُوقُهم في الماءِ⁣(⁣٥)

  فجعلَ المَيْتَ كالمَيِّتِ.

  وفي التَّهْذِيبِ: قال أَهلُ التَّصْرِيف: مَيِّتٌ كأَنَّ تَصْحِيحَه مَيْوِتٌ على فَيْعِل، ثم أَدْغَمُوا⁣(⁣٦) الواوَ في الياءِ، قال: فَرُدَّ علَيْهِم، وقِيل: إِنْ كان كما قُلْتُم فيَنْبَغِي أَن يكونَ مَيِّتٌ على فَعِّل⁣(⁣٧)، فقالوا: قد عَلمنا أَنّ قياسَه هذا، ولكِنّا تَركْنا فيه القياسَ مَخافَةَ الاشتباهِ، فردَدْناه إِلى لَفْظِ فَعِّل⁣(⁣٨)، لأَنّ ميِّت على لَفْظِ فَعِّل.

  وقال آخرون: إِنّما كان في الأَصْل مَوْيِت مثل سيِّدٍ وسَوْيِدٍ⁣(⁣٩)، فأَدْغَمْنا الياءَ في الواو، ونَقَلْناه⁣(⁣١٠)، فقُلْنا: مَيِّت، [ثم خُفِّف، فقيل: مَيْت]⁣(⁣١١).

  وقال بعضهم: قيل: مَيْتٌ ولم يَقُولوا: مَيِّتْ، لأَنَّ أَبنيةَ ذَواتِ العِلَّة تُخالِفُ أَبنيةَ السَّالِم.

  وقال الزجّاج: المَيْتُ⁣(⁣١٢): المَيِّتُ، بالتّشديد، إِلا أَنَّه يُخَفَّف، يقال: مَيْتٌ ومَيِّتٌ، والمعنى واحد، ويَستَوِي فيه المذكَّرُ والمُؤَنَّث، قال تعالى: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً}⁣(⁣١٣) ولم يَقُل مَيْتَةً، انتهى.


(١) سورة ابراهيم الآية ١٧.

(٢) سورة الزمر الآية ٤٢.

(٣) عن النهاية واللسان، وبالأصل «ارضع».

(٤) سورة الزمر الآية ٣٠.

(٥) في التهذيب: وقال الشاعر في تصديق أن الميْت والميِّت واحد.

(٦) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله ثم أدغموا، وقوله الآتي فأدغمنا الخ، فيه أن الذي يدغم هو الحرف الأول في الثاني، وبالجملة فتحرر عبارته إلى آخرها».

(٧) الأصل واللسان، وفي التهذيب: يكون مَيَّت على فَيْعَل.

(٨) الأصل والتهذيب، وفي اللسان: «إلى لفظ فيعِل ... فيعِل».

(٩) الأصل واللسان، وفي التهذيب: سَيِّد سَيْوِد.

(١٠) الأصل واللسان، وفي التهذيب: وثقلناه.

(١١) زيادة عن التهذيب، ولم ترد في اللسان.

(١٢) في التهذيب: الميت أصله الميّت.

(١٣) سورة الفرقان الآية ٤٩.