تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الميم (مع التاء المثناة الفوقية)

صفحة 138 - الجزء 3

  وقال شَيْخُنا - بعد أَن نَقَلَ قولَ الخليلِ عن أَبي عَمْرو - ما نصُّه: وعلى هذه التَّفْرِقةِ جماعةٌ من الفُقَهاءِ والأُدباءِ، وعندِي فيه نَظَرٌ، فإِنهم صَرّحوا بأَنّ المَيْتَ مخفَّفَ الياءِ مأْخُوذٌ ومُخَفَّفٌ من المَيِّتِ المُشَدّد، وإِذا كان مأْخُوذاً منه فكيف يُتَصَوَّرُ الفرقُ فيهما في الإِطْلاقِ، حتَّى قال العَلّامة ابن دِحْيَة في كتاب التَّنْوِير في مولِد البَشِير النَّذِيرِ: بأَنَّه خطأٌ في القياسِ ومُخالِفٌ للسّماع، أَما القياسُ: فإِن «مَيْت» المُخَفَّفَ إِنما أَصْلُه ميِّتٌ المُشَدّد، فخُفِّف، وتَخفيفُه لم يُحْدِث فيه مَعْنًى مخالِفاً لمعناه في حالِ التَّشْديدِ، كما يقال: هَيْنٌ وهيِّن ولَيْنٌ ولَيِّن، فكما أَن التَّخْفِيفَ في هيِّن ولَيِّنٍ لم يُحِلْ معناهما، كذلك تخفيفُ مَيِّتٍ. وأَما السَّماع فإِنّا وَجَدْنَا العربَ لم تَجْعَل بينَهُما فَرْقاً في الاستعمالِ، ومن أَبْيَنِ ما جاءَ في ذلك قَوْلُ الشّاعر:

  لَيْسَ منْ ماتَ فاسْتَراحَ بِمَيْت ... وإِنّما المَيْتُ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ

  وقال آخر:

  أَلا يَا لَيْتَنِي والمَرْءُ مَيْتُ ... وما يُغْنِي عن الحَدَثانِ لَيْتُ

  ففي البيتِ الأَوّل سَوّى بيْنَهُما، وفي الثّاني جَعلَ المَيْتَ المُخَفَّفَ للحَيِّ الذي لم يَمُتْ، أَلَا تَرى أَنّ معناه: والمرءُ سَيَمُوت، فجَرَى مَجْرَى قولِه {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}.

  قال شيْخُنا: رَأَيْتُ في المِصْباح فَرْقاً آخر، وهو أَنّه قال: المَيْتَةُ من الحَيَوانِ جمعها مَيْتات، وأَصلُها مَيِّتَة بالتَّشْدِيد، قيل: والتُزِم التَّشْديدُ في مَيِّتَةِ الأَناسِيّ، لأَنّه الأَصلُ، والْتُزِم التَّخفِيف في غير الأَناسِيِّ فَرْقاً بينَهُما، ولأَن استعمالَ هذه أَكثرُ في⁣(⁣١) الآدِمّيات، وكانتْ⁣(⁣٢) أَوْلى بالتَّخْفِيف.

  ج: أَمْواتٌ ومَوْتَى، ومَيِّتُونَ ومَيْتُونَ.

  قال سيبويهِ: كانَ بابُه الجمعَ بالواوِ والنّون، لأَنّ الهاءَ تدخل في أُنثاه كثيراً، لكنّ فَيْعَلاً لمّا طابق فاعِلاً، في العِدّة والحَرَكةِ والسّكون، كَسَّروه على ما قَدْ يُكَسَّر عليه فاعِلٌ، كشاهدٍ وأَشهادٍ، والقولُ في مَيْتٍ كالقَوْل في مَيِّتٍ لأَنّه مُخَفَّفٍ منه⁣(⁣٣).

  وفي المِصْباح: مَيْتٌ وأَمْواتٌ كبَيْتٍ وأَبْياتٍ.

  وهي الأُنْثى مَيِّتَةٌ، بالتشديد، ومَيْتَةٌ، بالتَّخفيف، ومَيِّتٌ، مُشَدّداً بغير هاءٍ، ويُخَفّف⁣(⁣٤)، والجمعُ كالجَمْعِ.

  قال سيبويهِ: وافقَ المُذَكَّرَ كما وافَقَه في بعضِ ما مَضَى، قالَ: كأَنّه كُسِّرَ مَيْت، وفي التَّنْزِيلِ: العزيز {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً}⁣(⁣٥).

  قال الزَّجّاج: قال: مَيْتاً، لأَنّ [معنى]⁣(⁣٦) البَلْدَةَ والبَلَدَ واحدٌ، وقال - في محلٍّ آخرَ - المَيْتُ: المَيِّتُ، بالتّشْدِيدِ، إِلا أَنّه يُخَفّف، يقالُ: مَيْتٌ ومَيِّتٌ، والمعْنى واحدٌ، ويستوى فيه المُذَكّر والمُؤَنّث.

  والمَيْتَةُ: ما لَم تَلْحقْهُ الذَّكاةُ، عن أَبي عَمْرٍو.

  والمَيْتة: ما لَمْ تُدْرَكْ تَذْكِيَتُه.

  وقال النَوويّ - في تَهذيبِ الأَسماءِ واللّغات -: قال أَهلُ اللّغَةِ والفقهاءُ: الميْتَةُ: ما فارقَتْه الرُّوحُ بغير ذَكاة، وهي مُحَرَّمةٌ كُلُّها إِلّا السَّمَكَ والجَراد فإِنَّهما حلَالانِ بإِجْماع المُسْلِمينَ.

  وفي المصباح: المرادُ بالمَيْتَةِ في عُرْفِ الشَّرْعِ: ما ماتَ حَتْفَ أَنْفِه، أَو قُتِل على هَيْئَةٍ غيرِ مَشْروعة، إِمّا في الفاعِلِ أَو فِي المَفْعُول⁣(⁣٧).

  قال شيخُنا: فقوله: في عُرْفِ الشَّرعِ، يُشيرُ إِلى أَنّه ليس لُغَةً مَحْضَةً، ونسبه النَّووِيّ للفُقهاءِ وأَهلِ اللّغةِ إِمّا مُرادَفةً، أَو تَخْصِيصاً، أَو نحو ذلك، مما لا يَخْفى.

  والمِيتَةُ، بالكَسْرِ، للنَّوْعِ من الموْت.

  وفي اللسان: المِيتَةُ: الحالُ من أَحْوالِ المَوْتِ،


(١) المصباح: من.

(٢) المصباح: فكانت.

(٣) في المطبوعة الكويتية: «لأنه كالقول في مخفف منه» ولا معنى لها.

(٤) في اللسان: «وميت» بالتخفيف فقط.

(٥) الفرقان الآية ٤٩.

(٦) زيادة عن اللسان.

(٧) زيد في المصباح: فما ذبح للصنم أو في حال الإحرام أو لم يقطع منه الحلقوم (مَيْتة) وكذا ذبح ما لا يؤكل لا يفيد الحلَّ ويستثنى من ذلك للحلّ ما فيه نصّ.