فصل السين المهملة مع الحاء
  اهتمامهم بالصّلاة لا يُباشِرُونها حتى يَحُطُّوا الرِّحالَ، ويُرِيحوا الجِمَال رِفْقاً(١) وإِحْسَاناً.
  والسَّبْحَة بالفتح: الثِّيَابُ من جُلودٍ، ومثله في الصّحاح(٢)، وجَمْعُها سِبَاحٌ. قال مالكُ بنُ خالدٍ الهُذَليّ:
  وسَبّاحٌ ومَنَاخٌ ومُعْطٍ
  إِذا عادَ المَسَارِحُ كالسِّباحِ
  وصَحَّفَ أَبو عُبيدةَ هذه الكلمةَ، فرَواهَا بالجيم وضمّ السين، وغلطَ في ذلك. وإِنما السُّبْجَةُ كِسَاءٌ أَسْوَدُ.
  واستشهد أَبو عُبيدةَ على صِحّة قولهِ بقول مالِكٍ الهُذليّ المتقدّم ذِكْرُه، فصحَّف البيتَ أَيضاً. قال: وهذا البيتُ مِن قصيدةٍ حائِيَّة مَدحَ بها زُهيرَ بنَ الأَغَرِّ اللِّحْيانيّ، وأَولُها:
  فتًى ما ابنُ الأَغَرِّ إِذا شَتَوْنَا
  وحُبَّ الزَّادُ في شَهْرِيْ قُمَاحِ
  والمَسارِح: المَواضِعُ الّتي تَسرحُ إِليها الإِبلُ. فشبَّهها لمّا أَجدبَتْ بالجُلودِ المُلْسِ في عَدمِ النَّبَاتِ. وقد ذكر ابنُ سِيده في ترجمة «سبج» بالجيم ما صورته: والسِّباجُ: ثيابٌ من جُلود، واحدُها سُبْجَة، وهي بالحاءِ أَعْلَى، على أَنه أَيضاً قد قال في هذه الترجمة: إِن أَبا عبيدةَ صَحَّف هذه الكلمة، ورواها بالجيم كما ذَكَرناه آنفاً. ومن العَجَب وُقُوعُه في ذلك، مع حِكايته عن أَبي عبيدةَ أَنه وقع فيه، الّلهمّ إِلّا أَن يكون وَجَدَ نَقْلاً فيه. وكان يَتعيَّنُ عليه أَنه لو وجد نَقْلاً فيه أَنْ يَذكُرَه أَيضاً في هذه التَّرجمةِ عند تخْطِئته لأَبي عُبَيْدَة ونِسْبَتِه إِلى التَّصحيفِ، ليَسْلَمَ هو أَيضاً من التُّهمَةِ والانتقادِ: وقال شَمرٌ: السِّباحُ، بالحاءِ: قُمُصٌ للصِّبيانِ من جُلودٍ، وأَنشد:
  كأَنّ زَوَائِدَ المُهُراتِ عنها
  جَوَارِي الهِنْدِ مُرْخِيَةَ السِّبَاحِ(٣)
  قال: وأَمّا السُّبْجَة، بضمّ السِّين والجيم: فكساءٌ أَسْوَدُ.
  والسَّبْحَة: فَرَسٌ للنّبيّ صلَّى الله تعالى عليه وسلّم معدودٌ من جُمْلةِ خَيْلِه، ذَكَره أَرْبابُ السِّيَرِ، وفَرَسٌ آخَرُ لجَعفرِ بنِ أَبي طالبٍ المُلقَّبُ بالطَّيَّارِ ذي الجَنَاحَيْن، وفَرَسٌ آخَرُ لآخَرَ(٤).
  وفي حديثِ المِقْدادِ «أَنه كان يومَ بَدْرٍ على فَرَسٍ يقال له سَبْحَةُ». قال ابن الأَثير. هو من قولهم: فَرَسٌ سابحٌ: إِذا كَان حَسَنَ مَدِّ اليَديْنِ في الجَرْيِ.
  وقال ابن الأَثير: سُبْحَةُ الله بالضّمّ: جَلَالُه.
  والتَّسْبيحُ قد يُطْلَق ويُرَاد به الصَّلاةُ والذِّكْرُ والتَّحْمِيدُ والتَّمْجِيدُ. وسُمِّيَت الصَّلاةُ تَسبيحاً لأَنّ التّسبيحَ تَعْظيمُ الله وتَنزيهُه من كلّ سُوءٍ. وتقول: قَضَيْتُ سُبْحَتي.
  ورُوِيَ أَن عُمَر ¥ جَلَدَ رَجُلَيْنِ سَبَّحَا بعد العَصْرِ، أَي صَلَّيَا. قال الأَعشى:
  وسَبِّحْ على حينِ العَشيَّاتِ والضُّحَى
  ولا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ والله فاعْبُدَا
  يعنِي الصلاة بالصباح والمساءِ. وعليه فُسِّرَ قوله تعالى {فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}(٥) يأْمرُهم بالصّلاة في هذينِ الوَقْتَيْنِ. وقال الفَرّاءُ: {حِينَ تُمْسُونَ}: المَغْرِب والعشاءُ، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ}، صلاة الفجْر، {وَعَشِيًّا}: صلاة العَصْر، {وَحِينَ تُظْهِرُونَ}: الأُولَى(٦). وقوله: {وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ}(٧) أَي وصَلِّ. ومنه أَيضاً قوله ø {فَلَوْ لا أَنَّهُ} كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ(٨) أَراد من المُصَلِّين قبلَ ذلك. وقيل: إِنّما ذلك لأَنه قال في بطن الحوت: {لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ}(٩).
  والسَّبْحُ الفَراغُ. وقوله تعالى: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً}(١٠) إِنما يعني به فَراغاً وتَصرُّفاً. وقال اللّيث: معناه فراغاً للنَّوْم. وقال أَبو عُبَيْدةَ: مُنْقَلَباً طويلاً. وقال
(١) النهاية واللسان: رفقاً بها.
(٢) لم ترد بفتح السين في الصحاح، وقد أشار ابن بري إِلى إِهمال الجوهري لها.
(٣) في التهذيب: منها بدل عنها.
(٤) في التكملة - وبعد أن ذكر فرس رسول الله ÷ وفرس جعفر قال: وسبحة أَيضاً: فرس يزيد بن حَذّاق.
(٥) سورة الروم الآية ١٧.
(٦) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله الأول كذا في اللسان، والمراد بها الظهر.».
(٧) سورة آل عمران الآية ٤١.
(٨) سورة الصافات الآية ١٤٣.
(٩) سورة الأنبياء الآية ٨٧.
(١٠) سورة المزمل الآية ٧.