فصل الهمزة مع الراء
  المرتفعُ في رَدِّها يعودُ على الله تعالَى، يقول: إِذْ رَدَّ اللهُ نفسِي بكَيْدِه وقوَّتِه إِلى وقتِ انتهاءِ مُدَّتِي.
  وفي حديث ابن مَسْعُود: «ابْعَثوا بالهَدْيِ، واجْعَلوا بَينَكم وبينَه يومَ أَمَارٍ». الأَمَارُ والأَمَارةُ: العَلَامَة، وقيل: الأَمَار جمْع الأَمَارةِ، ومنه الحديثُ الآخَرُ: «فهل للسَّفَرِ أَمَارة؟» وأَمْرٌ إِمْرٌ، بالكسر: اسمٌ مِن أَمِرَ الشَّيءُ - بالكسر - إِذا اشتدَّ، أَي مُنْكَرٌ عَجِيبٌ قال الرّاجز:
  قد لَقِيَ الأَقْرَانُ منِّي نُكْرَا ... داهِيةً دَهْيَاءَ إِدَّا إِمْرَا
  وفي التَّنزيل العزيز: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً}(١). قال أَبو إِسحاق: أَي جئتَ شيئاً عظيماً من المُنْكَر، وقيل: الإِمْر، بالكسر: الأَمْرُ العظيمُ الشَّنِيعُ، وقيل: العَجِيب، قال:
  و {نُكْراً} أَقلُّ مِن قوله: إِمْراً؛ لأَنّ تَغْرِيقَ مَنْ في السَّفِينة أَنْكَرُ مِن قَتْلِ نفسٍ واحدةٍ. قال ابنُ سِيدَه: وذهبَ الكسائيُّ إِلى أَنّ معنى إِمْراً: شيئاً داهِياً مُنكَراً عَجَباً، واشتقَّه مِن قولهم: أَمِرَ القومُ، إِذا كَثُرَوا.
  ويقال: ما بها أَي بالدّارِ أَمَرُ - محرّكةً - وتَأْمُورٌ، وهذه عن أَبي زَيْد، مهموز، وتُؤْمُور، بالضَّمِّ في الأَخِير، وهذه عن ابن الأَعرابيّ، والتاءُ زائدةٌ فيهما، وبالهمز ودونَه، أَثبتَهما الرَّضِيُّ وغيره وزادَ: وتُؤْمُرِيُّ، أَيْ أَحَدٌ، واستطردَ شيخُنا في شرح نَظْمِ الفَصِيح أَلفاظاً كثيرةً من هذا القَبِيل، منها(٢): ما بها شُفْرٌ [وشَفْرةٌ] وطُوئِيٌّ وطاوِيٌّ [وطُوَوِيٌّ وطُؤَوِيٌّ] وطُؤْرِيٌّ ودُورِيٌّ ودارِيٌّ ودِبِّيجٌ وآرِمٌ وأَرَمٌ وأَريمٌ [وإِرَمِيٌّ، وأَيرَمِيٌّ] ونُمِّيُّ ودُعْوِيٌّ وِدُبِّيٌّ وكَتِيعٌ وكُتَاعٌ ودَيّار [ودَيُّورٌ] وكَرّابٌ ووَابِنٌ ونافِخُ ضَرَمَةٌ ووَابرٌ وعَيْنٌ وعائِنَةٌ ولا عَريبٌ ولا صافِرٌ، قال: ومعنَى هذه الحُرُوفِ كلِّهَا: أَحَدٌ.
  وحَكَى جميعَها صاحِبُ كتابِ المَعَالِم، والمُطرّز في كتاب الياقوت، وابنُ الأَنباريّ في كتاب الزاهر، وابنُ السِّكِّيت، وابنُ سِيدَه في العَوِيص، وزاد بعضُهم على بعضٍ، وقد ذَكَر المصنِّفُ بعضاً منها في مواضعها واستجادَ، فراجِعْ شَرْحَ شيخِنا في هذا المَحَل فإِنه بَسَطَ وأَفادَ.
  والائْتِمَارُ: المُشَاوَرَةُ، كالمُؤامَرَةِ والاسْتئْمارِ والتَّأَمُّرِ على التَّفَعُّلِ، والتَّآمُرِ على التَّفاعُلِ. وآمَرَه في أَمْره ووَامَرَه واستَأْمَره: شاوَرَه. وقال غيرُه: آمَرْتُه في أَمْرِي مُؤامرةً، إِذا شاوَرْته، والعامَّةُ تقول: وَامَرْته.
  ومِن المُؤامَرِة: المُشَاورِة، في الحديث: «آمِرُوا النِّساءَ في أَنْفُسِهِن»، أَي شاوِرُوهُنَّ في تَزْويجِهنَّ، قال ابنُ الأَثِير: ويقال فيه: وَامَرْتُه، وليس بفَصِيحٍ(٣). وفي حديث عُمر(٤): «آمِرُوا النِّساءَ في بناتِهنَّ»، وهو من جهةِ استطابَةِ أَنفسِهنَّ؛ وهو أَدْعَى للأُلفةِ وخَوْفاً من وُقُوعِ الوَحْشَةِ بينهما إِذا لم يكن برِضَا الأُمَّ، إِذ البَناتُ إِلى الأُمَّهَاتِ أَمْيَلُ، وفي سَماع قولِهِنَّ أَرغبُ. وفي حديث المُتْعَة: «فآمَرَتْ نَفْسَها» أَي شاوَرَتْها واستأْمَرَتْهَا.
  ويقال: تأَمَّرُوا على الأَمْر وائْتَمَرُوا: تَمارَوْا وأَجْمَعُوا آراءَهم. وفي التَّنزِيل: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ}(٥) قال أَبو عُبَيْدَةَ: أَي يَتَشَاوَرُون عليكَ [ليقتلوك](٦)، وقال الزَّجَّاج: معنى قولِه: {يَأْتَمِرُونَ بِكَ}: يأْمُر بعضُهم بعضاً بقتلِكَ. قال أَبو منصور: ائتمرَ القومُ وتآمَرُوا، إِذا أَمَرَ بعضُهُم بعضاً، كما يقال: اقْتَتَل القومُ وتَقَاتَلُوا، واختَصُموا وتَخَاصَمُوا، ومعنى، {يَأْتَمِرُونَ بِكَ} أَي يُؤامِرُ بعضُهم بعضاً بقتلِكَ وفي قتلِكَ، قال: وأَمَّا قولُه: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ}(٧) فمعناه - والله أَعلمُ - لِيأْمُرْ بعضُكم بعضاً بمعروفٍ. وقال شَمِرٌ في تفسيرِ حديثِ عُمَرَ، ¥: «الرِّجالُ ثلاثةٌ: رجلٌ إِذا نَزَلَ به أَمْرٌ ائْتَمَرَ رَأْيَه»، قال: معناه ارْتَأَى وشاوَرَ نفسَه قبلَ أَنْ يُواقِعَ ما يُرِيدُ، قال: ومنه قولُ الأَعْشَى:
  لا يَدَّرِي المَكْذُوُب كيفَ يَأْتَمِرْ
(١) سورة الكهف الآية ٧١.
(٢) تم ضبط العبارة من هنا إلى قوله: ولا عريبٌ ولا صافنٌ عن هامش المطبوعة المصرية، والزيادات المستدركة ضمن قوسين معقوفين عن الهامش أيضاً.
(٣) قال ابن الاثير: وهذا أمر نَدْبٌ وليس بواجب ... ويجوز أن يكون أراد به الثّيْب دون الأبكار، فإنه لا بد من إذنهن في النكاح.
(٤) الأصل واللسان، وفي النهاية: ابن عمر.
(٥) سورة القصص الآية ٢٠.
(٦) زيادة عن التهذيب واللسان.
(٧) سورة الطلاق الآية ٦.