تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل القاف مع الراء

صفحة 372 - الجزء 7

  والقَدْرُ: قِياسُ الشَّيْءِ بالشَّيْءِ يُقَالُ: قَدَرَه بِهِ قَدْراً، وقَدَّرَهُ، إِذا قاسَهُ. ويُقَالُ أَيضاً: قَدَرْتُ لِأَمْرِ كذا أَقْدِرُ لَهُ، بهذا المعنَى. ومنه حَدِيث عائشةَ ^: «فَاقْدِرُوا قَدْرَ الجَارِيَةِ الحَدِيثَةِ السِّنِّ المُشْتَهِيَة⁣(⁣١) للنّظَر»، أَي قَدِّرُوا وقايِسوا وانظُرُوه وأَفْكِرُوا فيه.

  والقَدْرُ: الوَسَطُ من الرِّحالِ والسُّرُوجِ يقال: رَحْلٌ قَدْرٌ، وسَرْجٌ قَدْرٌ؛ ذكره الزمخشري في الأَساس. وزادَ في اللسان: يُخَفَّف ويُثقَّل. وفي عبارة المُصَنّف قُصُورٌ ظاهِرٌ.

  ولم يذكر أَبو عُبَيْدَة في كِتَابِ «السَّرْجِ واللجَام» إِلَّا: سَرْجٌ قاتِرٌ، وقد تقدّم، وكَأَنّ الدالَ لُغَةٌ في التاءِ. وفي التَّهْذِيب: سَرْجٌ قادرٌ: قاترٌ، وهو الواقِي الذي لا يَعْقِرُ. وقيل: هو بَيْنَ الصَّغِيرِ والكَبير.

  والقَدْرُ: رَأْسُ الكَتِف.

  والقَدَرُ، بالتَّحْرِيك: قِصَرُ العُنُقِ، قدِرَ، كفَرِحَ يَقْدَرُ قَدَراً فهُوَ أَقْدَرُ: قَصِيرُ العُنُقِ. وقِيل: الأَقْدَر: القَصِيرُ من الرَّجَالِ، وبه فُسِّر قولُ صخْرِ الغَيِّ يصفُ صائداً، ويَذْكُر وُعُولاً، وقد وَرَدتْ لِتَشْرَبَ الماءَ:

  أَرَى الأَيّامَ لا تُبْقِي كَرِيماً ... ولا الوَحْشَ الأَوابِدَ والنَّعَامَا

  ولا عُصْماً أَوَابِدَ في صُخُورٍ ... كُسِينَ عَلَى فَرَاسِنِها خِدَامَا

  أُتِيحَ لَهَا أُقَيْدِرُ ذُو حَشِيفٍ ... إِذا سَامَتْ على المَلَقَاتِ سَامَا⁣(⁣٢)

  العُصْمُ: الوُعولُ. والخِدَامُ⁣(⁣٣): الخَلْخَالُ، وأَراد بِها الخُطُوطَ السُّودَ التي في يَدَيْه. والأُقَيْدِرُ: أَراد به الصائدَ.

  والحَشِيفُ: الثَّوْبُ الخَلَقُ. وسامَتْ: مَرَّتْ ومَضَتْ.

  والمَلَقَاتُ: جمع مَلَقَة، وهي الصَّخْرَةُ المَلْسَاءُ.

  وقال أَبو عَمْرو: الأَقْدَرُ: فَرَسٌ إِذا سارَ وَقَعَتْ رِجْلاه مَواقِعَ يَدَيْهِ قال عَدِيُّ بن خَرَشَةَ الخَطْمِيُّ:

  وأَقْدَرُ مُشْرِفُ الصَّهَواتِ ساطٍ ... كُمَيْتٌ لا أَحَقُّ ولا شَئِيتُ⁣(⁣٤)

  وقد قَدِرَتْ، بالكَسْر، أَو الأَقْدَر: هو الذي يَضَعُ رِجْلَيْه، وفي بعض النسخ: «يَدَيْه» وهو غلطٌ، حَيْثُ يَنْبَغِي، وقال أَبو عُبَيْد: الأَقْدَرُ: هو الّذي يُجَاوِزُ حافِرَا رِجْلَيْه مَواقِعَ حافِرَيْ يَدَيْه. والشَّئيت: خِلافُه. والأَحَقُّ: الَّذِي يُطَبِّق حافِرَا رِجْلَيْه حافِرَيْ يَدَيْهِ.

  والقِدْر، بالكَسرِ: م، معروفَةٌ أُنْثَى، بلا هاءٍ عند جِميع العَرَب، وتَصْغِيرُهَا قُدَيْرَةٌ، وقُدَيْرٌ، الأَخيرة على غَيْرِ قِيَاسٍ؛ قاله الأَزهريّ⁣(⁣٥) أَو يُذَكَّر، ويُؤَنَّث. ومن قال بتذَكِيرِهَا غَرَّهُ قَوْلُ ثَعْلَب. قال أَبو مَنْصُورٍ: وأَمّا ما حَكَاهُ ثَعْلَبٌ من قَوْلِ العَرَب: ما رَأَيْتُ قِدْراً غَلَا أَسْرَعَ مِنْهَا فإِنّه لَيْس على تَذْكِير القِدْر، ولكِنَّهم أَرادُوا: ما رَأَيْتُ شَيْئاً غَلَا. قال: ونَظِيرُه قولُ الله تعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ}⁣(⁣٦) قال ذَكَّرَ الفِعْلَ لأَنّ مَعْنَاه مَعْنَى شَيْءٍ، كأَنَّه قال: لا يَحِلُّ لك شيءٌ من النّسَاءِ. ولابْنِ سِيدَه هُنَا في المُحْكم كلامٌ نَفِيسٌ، فراجِعْه.

  قلتُ: وعلى قَوْلِ من قَالَ بالتَّذْكِير يُؤَوَّل

  قولُ مُعَاوِيَةَ ¥، فِيمَا يُرْوَى عنه: «غَلَا قِدْرِي، عَلَا قَدْرِي» كذا أَوْرَدَه بعضُ أَئمّة التَّصْحِيف.

  ج قُدُورٌ، لا يُكَسَّر على غَيْر ذلك.

  والقَدِيرُ والقادِرُ: ما يُطْبَخْ في القِدْر، هكذا في سائر النُّسَخ. وفي اللّسَانِ: مَرَقٌ مَقْدُورٌ وقَدِيرٌ أَي مَطْبُوخ.

  والقَدِيرُ: ما يُطْبَخُ في القِدْر. وقال اللَّيْث: القَدِيرُ: ما طُبِخَ من اللَّحْمِ بَتَوَابِلَ، فإِنْ لم يكن ذا تَوابلَ فهو طَبِيخٌ. وما رأَيتُ أَحَداً من الأَئمّة ذكرَ القادِرَ بهذا المَعْنَى. ثم إِنَّنِي تَنَبَّهْتُ بعدَ زَمان أَنَّه أَخَذَه من عِبَارَة الصاغانيّ: «والقَدِيرُ: القَادِرُ» فوَهِمَ، فإِنَّه إِنّمَا عَنَى به صِفَةَ الله تعالَى لا بمَعْنَى ما يُطْبَخُ في القِدْر، فتَدبَّر. ويُمكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنّ الصّواب في عِبارَته: «والقَدِيرُ: القادِرُ، وما يُطْبَخُ في القِدْرِ» فيَرْتَفِعُ الوَهَمُ حينئذٍ، ويكونُ تَوْسِيطُ الوَاوِ بَيْنَهما من تَحْرِيفِ النُّسّاخ، فافْهَمْه.


(١) عن التهذيب، وبالأصل «المستهيئة».

(٢) معنى أتيح: قُدّر، والضمير في لها يعود على العصم.

(٣) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: والخدام: الخلخال، الَأولى أن يقول: الخلاخيل كما في اللسان، لأن الخلخال يقال له خدمة والجمع خدام اهـ».

(٤) الشئيث الذي يقصر حافرا رجليه عن حافري يديه وقال أبو عبيد: الأحقّ: الذي لا يعرق، والشئيث: العثور.

(٥) عبارة التهذيب: «القدر مؤنثة عند جميع العرب بلا هاء، وإذا حقّرت قيل لها قُدَيرة وقُدَير بالهاء وغير الهاء لم يختلف النحويون في ذلك».

(٦) سورة الأحزاب الآية ٥٢.