تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[وحش]:

صفحة 221 - الجزء 9

  وكُنْيَتُه أَبُو دُسْمَةَ، وكانَ مَوْلَى جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ القُرَشِيِّ، رَضِيَ الله تَعَالَى عنه، وهو قاتِلُ حَمْزَةَ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ في الجَاهِليَّةِ، قال شَيْخُنَا: لَعَلَّ المُرَادَ جاهِلِيّةُ نَفْسِ القاتِلِ، وإِلاَّ فَهُوَ إِنّمَا قَتَلَه في الإِسْلامِ في غَزْوَةِ أُحُدٍ. قُلْتُ: وهُوِ كما ظَنَّ، ويَدُلُّ لَهُ فِيمَا بَعْد: ومُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ في الإِسلامِ، أَيْ حالَةَ كَوْنِهِ مُسْلِماً، أَي فجَبَر ذاكَ بِذَا.

  والوَحْشِيَّةُ: رِيحٌ تَدْخُل تَحْتَ ثِيَابِكَ لِقُوَّتِها، وبِهِ فُسِّرَ قَوْلُ أَبِي كَبِيرٍ الهُذَلِيَّ:

  ولَقَدْ غَدَوْتُ⁣(⁣١) وصاحِبي وَحْشِيَّةٌ ... تَحْتَ الرِّدَاءِ بَصِيرَةٌ بالمُشْرِفِ

  وقَوْلُه: بَصِيرَةٌ بالمُشْرِفِ يَعْنِي الرِّيحَ، مَنْ أَشْرَفَ لَها أَصابَتْهُ، والرِّداءُ: السّيْفُ، وقَد تَقَدَّم في «ب ص ر».

  وبَلَدٌ وَحْشٌ: قَفْرٌ لا سَاكِنَ به، ومَكَانٌ وَحْشٌ: خالٍ، وكَذلِكَ أَرْضٌ وَحْشَةٌ، بالفَتْحِ، و في حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ «أَنَّهَا كانَتْ في مَكَانٍ وَحْشٍ فخِيفَ عَلَى ناحِيَتِهَا» أَيْ خلاءٍ لا سَاكِنَ بهِ، و في حَدِيثِ المَدِينَةِ: «فيَجِدَانِه وَحْشاً». ولَقِيتُه بِوَحْشِ إِصْمِتَ وإِصْمِتَةَ، أَيْ بِبَلَدٍ قَفْرٍ، وكَذَا تَرَكْتُه بوَحْشِ المَتْنِ، أَيْ بِحَيْثُ لا يُقْدَرُ عَلَيْه، وقال ياقُوت في المُعْجَمِ: إِصْمِتُ، بالكَسْرِ: اسْمٌ لبَرِّيَّةٍ بعَيْنِها قال الرّاعي:

  أَشْلَى سَلُوقِيَّةً بَاتَتْ وبَاتَ بِهَا ... بوَحْشِ إِصْمِتَ في أَصْلابِها أَوَدُ⁣(⁣٢)

  وقَالَ بَعْضُهُم: العَلَمُ هُوَ وَحْشُ إِصْمِتَ، الكَلِمَتَانِ مَعاً، قالَ أَبُو زَيْدٍ: لَقِيتُه بوَحْشِ إِصْمِتَ، وببَلْدَةِ إِصْمِتَ، أَي بمكَانٍ قَفْرٍ، وإِصْمِتَ: مَنْقُولٌ من فِعلِ الأَمْرِ مُجَرّدًا عن الضّمِيرِ، وقُطِعَت هَمْزَتُه، لِيَجْرِيَ عَلى غالِبِ الأَسماءِ، هكذا جَمِيعُ ما يُسَمَّى به من فِعْلِ الأَمْرِ، وكَسْرُ الهَمْزَةِ في إِصْمِت إِما لُغَةٌ لَمْ تَبْلُغْنَا وإِمّا أَنْ يَكُونَ غُيِّرَ في التَّسْمِيَةِ بِهِ عن اصْمُتْ، بالضَّمِّ الَّذي هُو مَنْقُولٌ من مُضارِع هذا الفِعْلِ، وإِمّا أَنْ يَكُونَ مُرْتَجَلاً وَافَقَ⁣(⁣٣) فعلَ الأَمْرِ الَّذِي بمَعْنَى اسْكُت، ورُبَّمَا كانَ تَسْمِيَةُ هذِه الصّحراءِ بهذا الفِعْلِ لِلْغَلَبَةِ، لِكَثْرَةِ مَا يَقُولُ الرّجُلُ لِصَاحِبِه إِذا سَلَكَهَا: اصْمُتْ.

  لِئَلاَّ تُسْمَع فتَهْلِكَ⁣(⁣٤) لِشِدَّةِ الخَوْفِ بِهَا.

  وبات وَحْشاً بالفَتْحِ وككَتِفٍ، أَيْ جائِعاً لَمْ يَأْكُلْ شَيْئاً فخَلَا جَوْفُه، ومِنْهُ حَدِيثُ سَلَمةَ بنِ صَخْرٍ البَيَاضِيِّ، رَضِيَ الله تَعَالَى عنه: «لَقَدْ بِتْنَا وَحْشِينَ⁣(⁣٥) ما لَنَا طَعَامٌ» وقال حُمَيْدٌ يَصِف ذِئْباً:

  وإِنْ بَاتَ وَحْشاً لَيْلَةً لَمْ يَضِقْ بِهِا ... ذِرَاعاً ولَمْ يُصْبِحْ بِهَا وهو خاشِعُ

  وقد أَوْحَشَ، وهُمْ أَوْحَاشٌ، يُقَال: بِتْنَا أَوْحاشاً: أَيْ جائِعِينَ.

  والوَحْشَةُ: الهَمُّ.

  والوَحْشَةُ: الخَلْوَةُ.

  والوَحْشَةُ: الخَوْفُ، وقِيلَ: الفَرَقُ الحَاصِلُ من الخَلْوَةِ، وكَذلِكَ يُقَالُ: أَخَذَتْهُ الوَحْشَةُ.

  والوَحْشَةُ: الأَرْضُ المُسْتَوْحِشَةُ، وقَدْ تَوَحَّشَتْ.

  ووَحَشَ بثَوْبِه، كوَعَدَ، وكَذا بسَيْفهِ، وبرُمْحِه: رَمَى بهِ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرَكَ*؛ لِيُخَفِّفَ عن دَابَّتِه، كوَحَّشَ بِه مُشَدّداً، والتّخْفِيفُ عن ابنِ الأَعْرَابِيِّ، وأَنْكَر التّشْدِيدَ، وهُمَا لُغَتَان صَحِيحَتَان، قالَتْ أُمُّ عَمْرٍو بِنْتُ وَقْدَانَ:

  إِنْ أَنْتُمُ لَمْ تَطْلُبُوا بِأَخِيكُمُ ... فذَرُوا السِّلاحَ ووَحِّشُوا بالأَبْرَقِ

  و في حَدِيثِ الأَوْسِ والخَزْرَجِ: «فوَحَّشُوا بأَسْلِحَتِهِمْ، واعْتَنَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً». ورَجُلٌ وَحْشَانُ كسَحْبَانَ: مُغْتَمٌّ، ومِنْهُ الحَدِيثُ: «لا تَحْقِرَنَّ من المَعْرُوفِ شَيْئاً، ولو أَنْ تُؤْنِسَ الوَحْشَانَ». قال ابنُ الأَثِيرِ: هُوَ فَعْلَانُ مِنَ الوَحْشَةِ ضِدِّ الأُنْسِ، ج: وَحَاشَى، مِثْلُ حَيْرانَ وحَيَارَى.


(١) في اللسان: ولقد عدوت.

(٢) ديوانه ص ٦٩ وانظر تخريجه فيه.

(٣) عن معجم البلدان وبالأصل «ولحق».

(٤) عن معجم البلدان وبالأصل «تسمع فتهلك».

(٥) ضبطت في النهاية بفتح الشين، والمثبت عن اللسان قال ابن الأثير: وجاء في رواية الترمذي: لقد بتنا ليلتنا هذه وحشَى؛ كأنه أراد جماعة وحشى.

(*) في القاموس: «يُلْحَقَ» بدل: يُدْرَك.