تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[سرف]:

صفحة 268 - الجزء 12

  وقَوْلُ مُلَيْحٍ:

  وَذُو هَيْدَبٍ يَمْرِي الْغَمَامَ بمُسْدِفٍ ... مِنَ البَرْقِ فيه حَنْتَمٌ مُتَبَعِّجُ⁣(⁣١)

  مُسْدِفٌ هنا: يكونُ المُضِيءَ والمُظْلِمَ، وهو من الأَضْدادِ.

  وَفي حديث عَلْقَمَةَ الثَّقَفيِّ: «كان بِلالٌ يَأْتِينَا بالسَّحُورِ وَنَحْنُ مُسْدِفُونَ، فيَكْشِفُ القُبَّةَ، فيُسْدِفُ لنا طَعَامَنَا» أي يُضِيءُ، ومَعْنَى مُسْدِفِين: دَاخِلِينَ في السُّدْفَةِ، والمُرَادُ المُبَالَغَةُ في تَأْخِيرِ السَّحُورِ.

  وَجَمْعُ السُّدْفَةِ: سُدَفٌ، ومنه قَوْلُ عليٍّ ¥: «وكُشِفَتْ عنهم سُدَفُ اللَّيْلِ⁣(⁣٢)» أي: ظُلَمُها.

  وَأَسْدَفَتِ المرأَةُ القِنَاعَ: أَرْسلتْهُ، كما في الصِّحاحِ.

  وَسَدَفْتُ الحِجَابَ: أَرْخَيْتُهُ، وحِجَابٌ مُسْدُوفٌ، قال الأَعْشَى:

  بِحِجَابٍ مِنْ بَيْنِنَا مَسْدُوفِ⁣(⁣٣)

  وَيُقَال: وَجَّهَ فُلانٌ سِدَافَتَهُ: إذا تَرَكَهَا وخَرَجَ منها.

  وَجَمْعُ السَّدِيفِ: سَدائِفُ، وسِدَافٌ.

  وَسَدَّفَهُ تَسْدِيفاً: قَطَّعَهُ، قال الفَرَزْدَقُ:

  وَكُلَّ قِرَى الْأَضْيافِ نَقْرِي مِنَ الْقَنَا ... وَمُعْتَبَطٍ فيه السَّنَامُ الْمُسَدَّفُ⁣(⁣٤)

  وَقد سَمَّوْا: سَدِيفاً، كَأَمِيرٍ، ومُسْدِفاً، كمُحْسِنٍ.

  وَيُقَال: رأَيْتُ سَدَفَهُ: شَخْصَهُ مِن بُعْدٍ⁣(⁣٥)، كرَأَيْتُ سَوَادَهُ، وَهو مَجَازٌ.

  [سرف]: السَّرَفُ، مُحَرَّكَةً: ضِدُّ الْقَصْدِ، كما في الصِّحاحِ، والعُبَابِ، وفي اللِّسَانِ: مُجَاوَزَةُ القَصْدِ، وقال غيرُه: هو تَجَاوُزُ ما حُدَّ لك.

  والسَّرَفُ أَيضاً: الإِغْفَالُ، والخَطَأُ، وَقد سَرِفَهُ، كَفَرِحَ: أَغْفَلَهُ، وجَهِلَهُ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، قَال: وحَكَى الأَصْمَعِيُّ عن بَعْضِ الأَعْرَابِ، ووَاعَدَهُ أَصْحابٌ له مِن المَسْجِدِ مَكَانًا فأَخْلَفَهُمْ، فقِيل له في ذلك، فقَالَ: مَرَرْتُ بكُمْ فسَرِفْتُكُم، أي: أَغْفَلْتُكُمْ، ومنه قَوْلُ جَرِيرٍ، يَمْدَحُ بني أُمَيَّةَ:

  أَعْطَوْا هُنَيْدَةَ يَحْدُوهَا ثَمَانِيَةٌ ... مَا في عَطَائِهِمْ مَنٌّ ولَا سَرَفُ

  أي: إِغْفَالٌ، ويُقَال، [ولا]⁣(⁣٦) خَطَأٌ أي لا يُخْطِئُونَ مَوْضِعَ العَطَاءِ بأَن يُعْطُوه مَن لا يَسْتَحِقُّ، ويَحْرِمُوا المُسْتَحِقَّ.

  والسَّرَفُ، مِن الخَمْرِ: ضَرَاوَتُهَا، وَمنه حديثُ عَائِشَةَ ^: «إنَّ للَّحْمِ سَرَفاً كَسَرَفِ الخَمْرِ» أي: مَن اعْتَادَهُ ضَرِيَ بِأَكْلِهِ، فأَسْرَفَ فيه، فِعْلَ المُعَاقِرِ في ضَرَاوَتِهِ بالخَمْرِ، وقِلَّةِ صَبْرِه عنها، أو المُرَادُ بالسَّرَفِ: الغَفْلَةُ، أَو الفَسَادُ الحاصِلُ مِن جِهَةِ غِلْظَةِ القَلْبِ، وقَسْوَتِهِ، والجَرَاءَةِ علَى المَعْصِيَةِ، والانْبِعَاثِ للشَّهْوَةِ، قال شَمِرٌ: ولم أَسْمَعْ أنَّ أَحَداً ذَهَبَ بالسَّرَفِ إِلَى الضَّرَاوَة، قال: وكيف يكونُ ذلك تَفْسِيرًا له وهو ضِدُّهُ: والضَّرَاوَةُ للشَّيْءِ: كَثْرَةُ الاعْتِيَادِ له، والسَّرَفُ بالشَّيْءِ: الجَهْلُ به، إِلَّا أَن تَصِيرَ الضَّراوَةُ نَفْسُهَا سَرَفاً، أي: اعْتِيَادُه وكَثْرَةُ أَكْلِهِ سَرَفٌ، وقيلَ: السَّرفُ في الحديثِ: مِن الإِسْرَافِ في النَّفَقَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، أو في غيرِ طَاعَةِ الله.

  والسَّرَفُ: جَدُّ محمدِ بنِ حاتِمِ بنِ السَّرَفِ، المُحَدِّثِ، الأَزْدِيِّ، عن مُوسَى بن نُصَيْرٍ الرَّازِيِّ، وعنه عُمَرُ بنُ أَحْمدَ القَصَبَانِيُّ.

  وفي الحَدِيثِ: «لا يَنْتَهِبُ الرَّجُلُ نُهْبَةً ذَاتَ سَرَفٍ وهُو مُؤْمِنٌ» أي: ذَاتَ شَرَفٍ، وقَدْرٍ كَبِيرٍ، يُنْكِرُ ذلك الناسُ، وَيَتَشَرَّفُونَ إِليه، ويَسْتَعْظِمُونَه، ويُرْوَى⁣(⁣٧) بِالشِّينِ المُعْجَمَةِ أَيضاً، كما سَيَأْتِي.

  وسَرفٌ، كَكَتِفٍ: ع على عَشْرَةِ أَمْيَالٍ مِن مَكَّةَ، وقيل: أَقَلّ أو أَكْثَر، قُرْبَ التَّنْعِيمِ، تَزَوَّجَ به النبيُّ مَيْمُونَةَ بنتَ


(١) شرح أشعار الهذليين ٣/ ١٠٣٠.

(٢) في النهاية واللسان: الرِّيَب.

(٣) تمامه في ديوانه.

وَلقد ساءها البياض فلطت ... بحجاب من دوننا مصدوف

بالصاد، وهما بمعنى. وقال بعض الرواة: مصدوف: مستور عن التهذيب.

(٤) بالأصل «من الفتى» والمثبت عن اللسان.

(٥) في الأساس: رأيت سدفه أي شخصه من بعيد، كما تقول: رأيت سواده.

(٦) زيادة عن اللسان.

(٧) في القاموس: ورُوِيَ.