تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[شفلق]:

صفحة 246 - الجزء 13

  والشَّقُّ: التَّفْرِيقُ، ومِنْه شَقَّ الخَارِجِيُّ عَصا المُسْلِمِينَ أَي: فَرَّقَ جَمْعَهُم وكَلِمَتَهُم، ومِنْه شَقَّ العَصا: إِذا فارَقَ الجَماعَة، كما تَقَدَّمَ.

  وقالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الشَّقُّ: المَشَقَّةُ والجَهْدُ والعَناءُ، زاد الرّاغِبُ: والانْكِسارُ الَّذِي يَلْحَقُ النَّفْسَ والبَدَنَ، ومنه قَوْلُه تَعالى: {لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ}⁣(⁣١) ويُكْسَرُ وأَكْثَرُ القُرّاءِ على كَسْرِ الشِّينِ، معناهُ إِلّا بجَهْدِ الأَنْفُسِ أَو بالكَسْرِ اسمٌ، وبالفَتْحِ مَصْدَرٌ قاله اللِّحْيانِيُّ، قال ابنُ سِيده: لا أَعْرِفُها عن غيرِه، وقَرَأَ أَبو جَعْفَرٍ وجَماعَةٌ: «إِلّا بشَقِّ الأَنْفُسِ» بالفتحِ، قال ابنُ جِنِّي: وهُما بمَعْنًى واحِدٍ، وأَنْشَدَ لعَمْرو بنِ مِلْقَطٍ، وزَعَم أَنَّه في نَوادِرِ أَبي زَيْد:

  والخَيْلُ قَدْ تُجْشِمُ أَرْبابَها الشِّ ... قّ وقَدْ تَعْتَسِفُ الرّاوِيَه

  قالَ: ويَجُوزُ أَنْ يُذْهَبَ في قَوْلِه إِنّ الجَهْدَ يُنْقِصُ من قُوَّةِ الرَّجُلِ ونَفْسِه حَتّى يَجْعَلَه قد ذَهَب بالنِّصْفِ من قُوَّتِه فيَكُون الكَسْرُ على أَنَّه كالنِّصْفِ⁣(⁣٢)، قال ابنُ بَرِّي: شاهِدُ الكَسْرِ قولُ النَّمِرِ بنِ تَوْلَب:

  وذِي إِبِلٍ يَسْعَى ويَحْسِبُها لَه ... أَخِي نَصَبٍ من شِقِّها ودُؤُوبِ

  وقولُ العَجّاجِ:

  أَصْبَحَ مَسْحُولٌ يُوازِي شِقَّا

  مَسْحُولٌ يعني بَعِيرَه، ويُوازِي: يُقاسِي.

  قالَ ابنُ سِيدَه: وحَكَى أَبو زَيْدٍ فيه: الشَّقّ، بالفَتْحِ، شَقَّ عليه يَشُقُّ شَقًّا.

  ومن المَجازِ الشَّقُّ: اسْتِطالَةُ البَرْقِ إِلى وَسَطِ السَّماءِ من غَيْرِ أَنْ يَأخُذَ يَمِيناً وشِمالاً، ولو قالَ: من غَيْرِ اعْتِراضٍ كان أَخْصَرَ، وقد شَقَّ يَشُقُّ شَقًّا، قالَهُ أَبو عُبَيْدٍ، ومنه الحَدِيثُ: «أَنَّ النبيَّ سُئلَ عن سَحائِبَ مَرَّتْ، وعن بَرْقِها، فقالَ: أَخَفْواً، أَم وَمِيضاً، أَم يَشُقُّ⁣(⁣٣) شَقًّا؟ فقالُوا: بَلْ شَقَّ شَقًّا، فقالَ: جاءَكُم الحَيَا».

  ومن المَجازِ: الشِّقُّ: بالكَسْرِ: الشَّقِيقُ يُقال: هو أَخِي وشِقُّ نَفْسِي، كما فِي الصِّحاحِ، قالَ الرّاغِبُ: أَي كأَنّه شِقٌّ مِنِّي، لمُشابَهَةِ بَعضِنا بَعْضاً.

  والشِّقُّ: الجانِبُ وجانِبَا الشَّيْءِ: شِقّاهُ، قاله اللَّيْثُ؛ وقِيلَ: الشِّقُّ: الناحِيَةُ من الجَبَلِ.

  وقالَ اللَّيْثُ: الشِّقُّ: اسمٌ لما نَظَرْتَ إِلَيْهِ.

  والشِّقُّ: ع بخَيْبَر، أَو وادٍ بهِ، ويُفْتَحُ.

  قلتُ: وهِيَ من قُرَى فَدَك، تُعْمَلُ فِيها اللُّجُمُ، قالَ ابنُ مُقْبِلٍ:

  يُنازِعُ شِقِّيًّا كأَنَّ عِنانَه ... يَفُوتُ به الإِقْداعَ جِذْعٌ مُنَقَّحُ⁣(⁣٤)

  وقالَ أَبو النَّدَى:

  مِن عَجْوَةِ الشِّقِّ نَطُوف بالوَدَكْ ... لَيْسَ من الوادِي ولكِنْ مِنْ فدَكْ

  أَو الصّوابُ الفَتْحُ في اللُّغَةِ وفي الحَدِيثِ، وهو ع بعَيْنِه قِيلَ: ومِنْهُ الحَدِيثُ قائِلُه أَبو عُبَيْدٍ، والمُرادُ بالحَدِيثِ حَدِيث أُمِّ زَرْعٍ: «وَجَدَنِي في أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بشِقٍّ» كما فِي الصِّحاحِ، يُرْوَى بالفَتْحِ، وبالكَسْرِ أَو مَعْناهُ مَشَقَّة وهذا على رِوايَةِ الفَتْحِ، يُقال: هُمْ بشِقٍّ من العَيْشِ: إِذا كانُوا في جَهْدٍ⁣(⁣٥)، أَو من الشَّقِّ بمَعْنَى الفَصْلِ في الشَّيْءِ، كأَنّها أَرادَتْ أَنَّهُم في مَوْضِعٍ حَرِجٍ ضَيِّقٍ كالشَّقِّ في الجَبَلِ.

  وشِقٌّ: كاهِنٌ قَدِيمٌ م معروفٌ، قالُه ابنُ دُرَيْدٍ، وحَدِيثُه مُسْتَوْفى فِي الرَّوْضِ للسُّهَيْلِيِّ، وإِنّما سُمِّيَ بهِ لأَنّه وُلِدَ شِقًّا واحِداً، وكانَ فِي زَمَنِ كِسْرَى أَنُوشِرْوانَ.

  وقالَ ابنُ عَبّادٍ: الشِّقُّ: جِنْسٌ مِنْ أَجْناسِ الجِنِّ.

  وقالَ غيرُه: الشِّقُّ من كُلِّ شيءٍ: نِصْفُه إِذا شُقَّ، والعَرَبُ تَقُولُ: خُذْ هذا الشِّقَّ لشِقَّةِ الشّاةِ، ومنه الحَدِيثُ: «تَصَدَّقُوا ولَوْ بشِقِّ تَمْرَة» أَي: نِصْفِ تَمْرَةٍ، يريدُ أَنْ لا


(١) سورة النحل الآية ٧.

(٢) هذا قول الفراء، نقله في التهذيب.

(٣) قوله: يشق، معطوف على الفعل الذي انتصب عنه المصدران وتقديره: أيخفي أم يُومض أم يشق؟

(٤) بالأصل: «يفوت به الأخداع جذع منعج» والتصويب عن معجم البلدان «شق» وفيه: «يفوق». والبيت في ديوانه من قصيدة حائية القافية.

(٥) عن اللسان وبالأصل «في جهة».