تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الصاد المهملة

صفحة 155 - الجزء 2

  أَين تُصِيبَان

  وأَصَابَ الإِنسانُ من المَالِ وغَيْرِهِ أَيْ أَخَذَ وتَنَاوَلَ. وفي الحدِيث: «يُصِيبُونَ مَا أَصَابَ النَّاسُ» أَي ينالون مَا نَالُوا.

  وفي الحَدِيث «أَنَّه كَانَ يُصِيبُ من رَأْسِ بَعْض نِسَائِه وَهُوَ صَائِمٌ» أَرَادَ التَّقْبِيلَ.

  والإِصَابَةُ: الاحْتِيَاحُ وأَصَابَه أَحْوَجَه. والإِصَابَةُ: التَّفْجِيعُ أَصَابَه بكذا: فَجَعَه بِهِ. وأَصَابَهم⁣(⁣١) الدَّهْرُ بِنُفُوسِهِم وأَمْوَالهم: جَاحَهُم فيها فَفَجُعَهُم كالمُصَابَةِ والمُصَابِ. قال الحَارِثُ بْنُ خَالِدٍ المَخْزُومِيُّ:

  أَسُلَيْمَ إِنّ مُصَابَكُم رَجُلاً ... أَهْدَى السَّلَامَ تَحِيَّةً ظُلْمُ

  أَقْصدْتِه وأَرَادَ سِلْمَكُمُ ... إِذ جَاءَكم فَلْيَنْفَعِ السِّلْمُ⁣(⁣٢)

  قال ابن بَرّيّ: هذا البَيْتُ لَيْسَ للعَرْجِيّ كما ظَنَّه الحَرِيرِيّ، فقال في دُرَّةِ الغَوَّاصِ: هو للعَرْجِيِّ، وصَوَابُه: أَظُلَيْم تَرْخِيم ظُلَيْمَة، وظُلَيْمَة تَصْغِير ظَلُوم تَصْغِير التَّرْخِيم.

  ويروى: أَظَلُوم إِنَّ مُصَابَكم. وظُلَيْم هي أُمُّ عِمْرَان زوْجَةُ عَبْد الله بْنِ مُطِيع، وَكَانَ الحَارِثُ يَنْسِبُ بِهَا، ولَمَّا مات زَوْجُهَا تَزَوَّجَهَا، وَرَجُلاً مَنْصُوب بمُصَابٍ. يعني إِنَّ إِصَابَتَكُم رَجُلاً، وظُلْم خَبَر إِنّ، كَذَا فِي لِسَانِ العَرب.

  وعن ابن الأَعرابيّ: ما كنتُ مُصَاباً ولقد أُصِبْتُ. وإِذا قال الرَّجُلُ لآخَر: أَنْتَ مُصَابٌ، قال: أَنْتَ أَصْوَبُ مِنِّي حَكَاه ابنُ الأَعْرَابِيّ. وأَصَابَتْه مُصِيبَةٌ فهو مُصَابٌ.

  والصَّابَةُ: المُصِيبَةُ مَا أَصَابَكَ من الدَّهْرِ كالمُصَابَةِ والمَصُوبَة بضَمِّ الصَّاد، والتَّاء، للتَّأنِيث⁣(⁣٣) أَو للمُبَالَغَة، والجَمْعُ مَصَاوِبُ ومَصَائِبُ، الأَخِيرَةُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ.

  وفي التهذيب: قال الزّجّاج: أَجْمَعَ النَّحْوِيُّونَ على أَنْ حَكَوا مَصَائِب في جمع مُصِيبَة بالهَمْزِ، وأَجْمَعُوا أَنَّ الاخْتِيَار مَصَاوِب، وإِنَّمَا مَصَائِب عِنْدَهُم بالهَمْزِ مِنَ الشَّاذِّ. قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي إِنَّمَا هُوَ بَدَل من الوَاوِ والمَكْسُورَة كما قَالُوا: وِسَادَة وإِسَادَةٌ. وزَعَم الأَخْفَشُ أَنَّ مَصَائِبَ إِنَّمَا وَقعت الهَمْزَة فيها بَدَلاً مِن الوَاوِ، لأَنَّهَا أَغْلَبُ⁣(⁣٤) في مُصِيبَة. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهَذَا رَدِيء؛ لأَنَّه يَلْزمُ أَنْ يُقَالَ في مَقَام مَقَائم، وفي مَعُونَة مَعَائِن. وقال أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: مُصِيبَةٌ كَانَتْ في الأَصْلِ مُصْوِبَة أَلْقَوْا حَرَكَةَ الْوَاوِ عَلَى الصَّادِ فانْكَسَرَتْ، وَقَلَبُوا الوَاوَ يَاءً لِكَسْرَةِ الصَّادِ.

  وقَال ابنُ بُزُرْج: تَرَكتُ النَّاسَ على مُصَابَاتِهِم أَي على طَبَقَاتِهم وَمَنَازِلِهِم. وفي الحديث: «مَنْ يُرِد الله بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْه».

  أَي ابْتَلَاهُ بالمَصَائِبِ لِيُثيبَه عَلَيْهَا، وهو الأَمْرُ المَكْرُوهُ يَنْزِل بالإِنْسَان. ونَقَلَ شيخُنَا في التَّوْشِيح أَنَّ أَصْلَ المُصِيبَةِ الرَّمْيَةُ بالسَّهْمِ، ثم اسْتُعْمِلَت في كل نَازِلَةٍ.

  والصَّابَةُ: الضَّعْفُ في العَقْلِ يقال: رَجُلٌ مُصَابٌ.

  وفي عَقْل فلانٍ صَابَةٌ أَي فَتْرَةٌ وضَعْفٌ وطَرَفٌ من الجُنُون.

  وفي التهذيب: كأَنَّه مَجْنُون. ويُقَال للمَجْنُون مُصَابٌ.

  والمُصَابُ: قَصَبُ السُّكَّرِ، كذا في لسَان العَرَب.

  والصَّابَةُ: شَجَرٌ مُرٌّ. وفي التَّهْذِيبِ عَن الأَصْمَعِيّ: الصَّابُ والسُّلَع: ضَرْبَانِ من الشَّجَرِ مُرَّان ج: صَابٌ.

  وَوَهِمَ الجَوْهريّ في قَوْله عُصَارَة شَجَر مُرٍّ. قال [أَبو ذؤيب]⁣(⁣٥) الهُذَلي:

  إِني أَرِقْتُ فَبِتُّ اللَّيْلَ مُشْتَجِراً⁣(⁣٦) ... كأَنَّ عَيْنِيَ فِيهَا الصَّابُ مَذْبُوحُ

  قَال الصَّاغَانِيّ: وإِنما أَخَذَه من كِتَاب اللَّيْثِ. أَلَيْسَ أَنَّه يُقَالُ فِيهَا الصَّابُ مَذْبُوح أَي مَشْقُوقٌ، والعُصارَة لا تُذْبَح، وإِنما تُذْبَح الشَّجَرَةُ فَتَخْرج منْهَا العُصَارَة. والرِّوَايَةُ في البَيْتِ.

  «نَامَ الخَلِيُّ وبِتُّ اللَّيْلَ». قلت: وذَكَر ابنُ سِيدَه الوَجْهَيْن، فَفِي المحكم: الصَّابُ: عُصَارَة شَجَرِ مُرٍّ، وقيل: هو عُصَارَة الصَّبِر، وقيل: هُوَ شَجَرٌ إِذا اعْتُصِر خَرَجَ منه كَهَيْئَةِ اللَّبَنِ فربما نَزَتْ مِنه نَزيَّةٌ أَي قَطْرةٌ فتَقَع في العَيْنِ


(١) بالأصل «وأصابه» وبهامش المطبوعة المصرية: «قوله وأصابه الدهر بنفوسهم كذا بخطه والظاهر «وأصابهم» وهذا ما أثبتناه.

(٢) ويروى: أقصيته ... فليهنه إذ جاءك السلم (عن هامش الصحاح).

(٣) في اللسان: والتاء للداهية.

(٤) في اللسان: أُعلّت.

(٥) زيادة عن اللسان.

(٦) كذا بالأصل واللسان والصحاح والتكملة وفي المحكم «مرتفقاً».