تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الضاد المعجمة مع الكاف

صفحة 606 - الجزء 13

  إنَّما ضَحِكَتْ سُروراً بالأَمْنِ لأَنَّها خافَتْ كما خافَ إِبْرَاهيم قالَ: وقال بعضُهم إنَّ فيه تقْديماً وتأْخيراً أي فبَشَّرْنَاها بإِسْحَق فضَحِكَتْ بالبِشَارةِ، قال الفرَّاءُ: وهو ما يَحْتَمِلُه الكَلامُ واللهُ أَعْلَم بصَوابِه وقيلَ: هو من ضَحِكَ الرجُلُ إذا عَجِبَ والمَعْنَى أي عَجِبت من فَزَعِ إِبْرَاهيم #، ومنه قَوْل عَبْد يَغُوث الحارِثِيّ:

  وتَضْحَك منِّي شَيْخَةٌ عَبْشَميَّةٌ ... كأَنْ لم تَرى قَبْلِي أَسِيراً يَمانِيا

  وهو قَوْل ابن عباسٍ ونَقَلَه الرَّاغِبُ وأَيَّدَه فقالَ: ويدل على ذلك قَوْله تعَالَى: {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}⁣(⁣١). قال: وقوْل من فسَّرَه بحاضَتْ فليْسَ ذلك تَفْسيراً لقَوْلهِ فَضَحِكَتْ كما تصوَّرَه بعضُ المُفَسِّرِين فقالَ: ضَحِكَت يَعْنِي حاضَتْ، وإنَّما ذِكْره ذلك أَمَارةً لما بُشِّرَتْ به فحاضَتْ في الوقْتِ لتَعْلَم أنَّ حَمْلَها ليْسَ بمنْكرٍ إذ كانَتِ المَرْأَة ما دَامَتْ تَحِيْضُ فإنَّها تَحْبَلُ.

  أو ضَحِكَ إذا فَزعَ، وبه فسَّرَ الفرَّاءُ الآيةَ كما تقدَّم قريباً.

  ومن المجازِ: ضَحِكَ والسَّحابُ: إذا بَرَقَ، قالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ الضَّاحِكُ من السَّحَابِ مِثْل العارِضِ إلَّا أنَّه إذا بَرَقَ قيل ضَحِكَ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، ومنه الحدِيثُ: «يَبْعَثُ اللهُ السَّحابَ فيَضْحَك أَحْسَن الضَّحِكِ ويتحدَّثُ أَحْسَن الحَدِيثِ» فضَحِكهُ البَرْق وحدِيْثُه الرَّعْد، جعل انْجِلاءَه عن البَرْقِ ضَحِكاً فكأَنَّه إِنَّما جَعَلَ لمْعَ البَرْقِ أَحْسَن الضَّحِكِ وقَصْفَ الرَّعْدِ أَحْسَن الحدِيثِ لأنَّهما آيَتَان حامِلَتَان على التّسْبِيحِ والتَّهْلِيلِ. وضَحِكَ القِرْدُ أي صَوَّتَ وفي الصِّحاحِ: ويُقالُ: القِرْدُ يَضْحَكُ إذا صوَّتَ أي جَعَل كشْرَ الأَسْنانِ ضَحِكاً وإلَّا فقَدْ تَقَدَّمَ أنَّ الضَّحِكَ مُخْتَصّ بالإِنْسانِ. والضَّحْكُ بالفتحِ الثَّلْجُ وقيل: الزُّبْدُ وقيلَ: العَسَلُ وقيَّدَه ابنُ السَّيِّدِ بالأَبْيَض قالَ أبو عَمْرٍو: شُبِّه بالثَّغْرِ لشدَّةِ بَيَاضِه. أو الشُّهْدُ والضَّحِكُ: ظُهُورُ الثَنَايَا مِنَ الفَرَحِ ومِنْ ذلك سُمِّي العَجَبُ ضَحكاً وقالَ الأَصْمَعِيُّ: الضَّحْكُ: الثَّغْرُ الأَبْيَضُ شَبَّه بَيَاضَ العَسَلِ به، يُقالُ: رَجُلٌ ضَحِكٌ أي أَبْيض الأَسْنَانِ وبكلِّ ذلك ما عَدَا العَجَبُ فُسِّر قَوْل أبي ذُؤَيْب الهُذَليّ:

  فجاءَ بمَزْجٍ لم يرَ الناسُ مِثْلَهُ ... هو الضَّحْكُ إلَّا أَنَّه عَمَلُ النَّخْلِ⁣(⁣٢)

  وقيلَ: الضِّحْكُ: النَّوْرُ وبه فُسِّر البيتُ أَيْضاً.

  والضَّحْكُ: المَحَجَّةُ وهي وَسَطُ الطَّرِيقِ كالضَّحَّاكِ كشَدَّادٍ الصَّوابُ أَنْ يذكر قَوْله كالضَّحَّاكِ بعْد قَوْلِه كِمامِه كما هو نصُّ أَبي عَمْرو، وأَمَّا الضَّحَّاك في نعتِ الطَّرِيقِ فإنَّه سَيَأْتي له فيمَا بَعْد فتأَمَّلْ. وقالَ السُّكَّرِيُّ في شَرْحِ قَوْلِ أَبي ذُؤَيْبٍ: الضَّحْكُ: طَلْعُ النَّخْلَة إذا انْشَقَّ عنه كِمامُهُ في لغَةِ بلْحَرث بن كعبٍ. وقالَ ثَعْلَبُ: هو ما في جوفِ الطَّلْعةِ.

  وقالَ أَبو عَمْرٍو: هو وَلِيْعَةُ الطَّلْعِ الذي يُؤْكلُ كالضَّحَّاكِ هذا نصُّ أَبي عَمُرٍو، فكانَ الأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ لَفْظة كالضَّحَّاكِ هُنَا. والضُّحكُ: بالضمِ جَمْعُ ضَحوكٍ للطريقِ كصَبورٍ وصُبْر. وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: الضَّاحِكُ حَجَرٌ شَديدُ البَياضِ يَبْدو في الجَبَلِ من أيِّ لونٍ⁣(⁣٣) كانَ فكأنَّه يضْحَكُ وهو مجازٌ. ومن المجازِ: الضَّحَّاكُ كشَدَّادٍ المُسْتَبِينُ الواسِعُ من الطُّرُقِ قال الفَرَزْدَقُ:

  إذا هي بالرَّكْبِ العِجَالِ تَردَّفَتْ ... نَحَائِزُ ضَحَّاكِ المَطَالعِ في النَّقْبِ⁣(⁣٤)

  نَحَائِزُ الطُّرق: جوادُّه كالضَّحوكِ كضبورٍ وهذه عن الجَوْهَرِيِّ قالَ:

  على ضَحُوكِ النَّقْبِ مُجْرِهِدِّ⁣(⁣٥)

  والضَّحَّاكُ بنُ عَدْنان زَعَمَ ابنُ دَأْبٍ المَدنيُّ أنَّه رجُلٌ مَلَكَ الأَرْضَ وهو الذي يُقالُ له المُذْهَبُ، وفي المَثَلِ: يُقالُ: أَحْسَن من المُذْهَبِ، وكانت أُمهُ جِنِّيَّةً فَلَحِقَ بالجِنِّ وتقولُ العَجَمُ: إنَّه لمَّا عَمِلَ السِّحْرَ وأَظْهَرَ الفَسَادَ أُخِذَ فشُدَّ في جبلِ دُنْباوَنْدَ، ويُقالُ: إنَّ الذي شدَّه أَفْرِيدُون الذي كان مَسَح الدُّنيا فبَلَغَ أَرْبَعةَ وعِشْرِين أَلْفَ فَرْسخٍ؛ قال الأَزْهَرِيُّ: وهذا كلُّه باطِلٌ لا يُؤْمن بمثْلِه إلَّا أَحْمقٌ لا عَقْل له.

  قُلْتُ: وتَزْعمُ الفُرْس أنه د هـ ا ك ومَعْناه عَشَرَة أمْرَاضٍ والضَّحَّاك إنَّما هو تَعْريبُه؛ وقال ابنُ الجواني النَّسَّابةُ:


(١) سورة هود الآية ٧٢.

(٢) ديوان الهذليين ١/ ٤٢ واللسان والصحاح ومقاييس اللغة ٣/ ٣٩٤.

(٣) لم يرد قوله في الجمهرة، ونقله عنه في التكملة.

(٤) ديوانه ١/ ٨٤ واللسان والتكملة والتهذيب.

(٥) اللسان والتهذيب.