تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الراء مع اللام

صفحة 282 - الجزء 14

  أي عن حُكْمِكم، ومِثْلُه لعَبَّاسِ بنِ مرْدَاس:

  أَلا مَنْ مُبْلِغٌ عني خُفافاً ... رَسُولاً بَيْتُ أَهلك مُنْتهاها⁣(⁣١)

  وأَنَّثَ الرَّسُول حيث كانَ بمعْنَى الرِّسَالةِ.

  والرَّسُولُ أَيْضاً: المُرْسَلُ.

  وقالَ ابنُ الأَنْبارِي في قَوْلِ المُؤَذِّنِ: أَشْهَد أَنَّ محمداً رَسُولُ الله أَعْلم وأُبَيِّن أَنَّ محمداً مُتَابعُ الإِخْبارِ عن اللهِ ø. والرَّسُولُ معْنَاه في اللغةِ: الذي يُتابع أَخْبارَ الذي بَعَثَه أَخْذاً من قَوْلِهم: جاءَتِ الإِبلِ رَسَلاً أي مُتَتَابِعَة ج أَرسُلٌ بضمِ السِّينِ، هو جَمْعُ الرَّسُولِ على أَنَّه مُؤَنَّث بمعْنَى الرِّسَالةِ، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي للهُذَليّ:

  لو كانَ في قلبي كقَدْرِ قُلامة ... حُبًّا لغَيْرك ما أَتَاها أَرْسُلي⁣(⁣٢)

  وقالَ الكِسَائي: سَمِعْتُ فَصِيحاً من الأَعْرابِ يقولُ جاءَتْنا أَرْسُل السُّلْطان.

  وذَهَبَ ابنُ جني إلى أَنَّه كَسَّر رَسُولاً على أَرْسُل، وإن كانَ الرَّسُول هنا إنَّما يُرادُ به المَرْأَة لأَنَّها في غالبِ الأَمْرِ ممَّا تُسْتَخْدَم في هذا البابِ.

  ورُسُلٌ بضمَّتَيْن ويُخَفَّف كصَبُورٍ وصُبُرٍ ورُسَلاءُ وهذه عن ابنِ الأَعْرَابيِّ، ونَسَبَها الصَّاغانيُّ للفرَّاءِ.

  والرّسولُ: المُوَافِق⁣(⁣٣) لَكَ في النِّضالِ ونحوِهِ، هكذا مُقْتَضَى سِيَاقِه، والذي صَرَّحَ به صاحِبُ اللِّسَانِ وغيرُه أَنّه من مَعَاني الرَّسِيل كأَميرٍ فتَنَبَّه لذلِكَ.

  وقَوْلُه ø في حكايةِ موسَى وأَخِيه {فَقُولا إِنّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ}⁣(⁣٤) ولم يَقُلْ رُسُلُ لأَنَّ فَعولاً وفَعيلاً يَسْتَوِي فيهما المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ والواحِدُ والجَمْعُ، مِثْل عَدُوٍّ وصَدِيقٍ، هذا نَصّ الصَّاغانيّ في العُبَابِ، ومِثْله في اللِّسَانِ. قالَ شَيْخُنا: وليسَ في الآيَةِ جَمْعٌ إلَّا أَنْ يُريدَ ما زَادَ على الواحِدِ وأَنّ أَقَلّ الجَمْعِ اثْنان كما هو رَأْيُ الكُوفِيِّين، أَو أَنَّه يُفْهَم من بابٍ أَوْلى وفي النَّامُوسِ: أَرَادَ بالواحِدِ والجَمْع القَليلِ والكثيرِ وهو بَعيدُ المَرَامِ عن هذا المَقَامِ، انْتَهَى.

  قالَ شيْخُنا قَدْ جَاءَ في طه: {إِنّا رَسُولا} بالتَّثْنِيةِ.

  قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ في الكَشَّافِ: الرَّسُولُ يكونُ بمعْنَى المُرْسَل والرِّسَالةِ، ففي طه بمعْنَى المُرْسَل، فلم يكنْ بُدّ من التَّثْنِيةِ، وفي آيَةِ الشُّعَراء بمعْنَى الرِّسَالةِ فجازَتِ التَّسْويةُ فيه إِذا وُصِفَ به بَيْن الواحِدِ والمُثَنَّى والجَمْع كالوَصْفِ بالمَصْدَرِ، انْتَهى.

  وقالَ أَبُو إِسْحق النَّحَويُّ في معْنَى الآيَةِ إِنَّا رِسَالة رَبِّ العَالَمِين، أَي ذَوُو رِسَالةٍ.

  قالَ الأَزْهَرِيُّ: وهو قَوْلُ الأَخْفَش. وسُمِّي الرَّسُولُ رَسُولاً لأَنَّه ذو رَسُولٍ أَي ذو رِسَالةٍ وأَمَّا الرَّسُولُ بمعْنَى الرُّسُل فكقَوْلِ أَبي ذُؤَيْبٍ:

  أَلِكْني إِليها وخَيْرُ الرّسو ... ل أَعْلَمهُم بنواحِي الخَبَرْ⁣(⁣٥)

  أَي خَيْر الرُّسُلِ.

  وتَرَاسَلوا: أَرْسَل بعضُهم إِلى بعضٍ.

  والمُراسِلُ: المرأَةُ الكثيرَةُ الشَّعَرِ في ساقَيْها الطَّويلَتُه كالرَّسْلَةِ، هكذا في سائِرِ النسخِ، والذي في اللِّسَانِ: ناقَةٌ مِرْسالٌ: رَسْلة القوائِمِ كثيرَةُ الشَّعَرِ في ساقَيْها طَويلَتُه.

  قلْتُ: فهي إِذاً من صفةِ الناقَةِ لا المرأَةِ فتأَمَّلْ ذلِكَ.

  والمُراسِلُ من النِّساءِ: التي تُراسِلُ الخُطَّاب أَو هي التي فارَقَها زَوْجها بأَيِّ وَجْهٍ كانَ، ماتَ أَو طَلَّقها، أَو هي التي قَدْ أَسَنَّتْ وفيها بَقِيَّة شَبابٍ، والاسمُ الرِّسالُ بالكسرِ. وفي حدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رجلاً من الأَنْصارِ تزوَّجَ امرأَةً مُراسِلاً، يعْنِي ثَيِّباً، فقالَ النبيُّ : «فهَلَّا بِكْراً تُلاعِبُها وتُلاعِبك».

  أَو هي التي مَاتَ زَوْجُها، أَو أَحَسَّتْ منه أَنَّه يُريدُ الطَّلاقَ فَتَزَيَّنُ لآخَرَ وتُراسِلُهُ بالخطابِ، وأَنْشَدَ المَازِنيُّ لجَرِيرٍ:

  يَمْشِي هُبَيرةُ بعد مَقْتَل شيخِه ... مَشْيَ المُراسِل أُوذِنَتْ بطَلاقِ⁣(⁣٦)


(١) اللسان.

(٢) هذه رواية اللسان للبيت نقلاً عن ابن بري، وفي ديوان الهذليين ٢/ ٩٩ في شعر أبي كبير الهذليين وبرواية:

وجليلة الأنساب ليس كمثلها ... ممن تمتع قد أتتها أَرسُلي

(٣) على هامش القاموس عن نسخة أخرى: «والمدافِفُ».

(٤) الشعراء الآية ١٦.

(٥) ديوان الهذليين ١/ ١٤٦ واللسان.

(٦) ديوانه واللسان والصحاح والتهذيب.