تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الباء مع الواو والياء

صفحة 225 - الجزء 19

  وقالَ الفرَّاءُ: يأْبَنَّى بكسْرِ الياءِ وبفتْحِها لُغَتانِ كَيَا أَبَتِ ويا أَبَتَ.

  قالَ شَيْخُنا: وهذا مِن وظائِفِ النَّحْو لا دَخْل فيه لشَرْحِ الألْفاظِ المُفْردَةِ.

  والأَبْناءُ: قَوْمٌ من العَجَمِ سَكَنُوا اليَمَنَ، وهُم الذين أَرْسَلَهم كِسْرى مع سيفِ بنِ ذي يَزَن لمَّا جاءَ يَسْتَنْجده على الحَبَشَةِ فنَصَرُوه ومَلَكُوا اليَمَنَ وتَدْبَّرُوها وتَزَوَّجُوا في العَرَبِ فقيلَ لأَوْلادِهم الأَبْناءُ، وغَلَبَ عليهم هذا الاسمُ لأنَّ أُمَّهاتِهم من غيرِ جِنْسِ آبائِهم، والنِّسْبَةُ إليهم على ذلكَ أَبْناوِيٌّ في لُغَةِ بَني سعْدٍ؛ كَذلِكَ حَكَاهُ سِيْبَوَيْه عنهم.

  قالَ: وحدَّثَني أَبو الخطَّاب أَنَّ ناساً مِن العَرَبِ يقُولُونَ في الإِضَافَةِ إليه بَنَوِيٌّ، محرَّكةً، رَدّاً له إلى الواحِدِ، فهذا على أَنْ لا يكون اسْماً للحيِّ.

  وفي الصِّحاحِ: إذا نَسَبْتَ إلى أَبْناءِ فارِس فقُل بَنَوِيُّ، وأَمَّا قَوْلهم أَبْناوِيٌّ فإنّما هو مَنْسوبٌ إلى أَبْناء سعْدٍ، لأنَّه جعلَ اسْماً للحيِّ أَو للقَبيلَةِ، كما قالوا مَداينِيٌّ حينَ جَعلْوه اسْماً للبَلَدِ، انتَهَى.

  ورأَيْت في بعضِ توارِيخِ اليَمَنِ: أَنَّ أَبْناءَ اليَمَنِ يَنْتَسِبون إلى هرمز الفارِسيّ الذي أَرْسَلَه كِسْرى مع سيفِ ابنِ ذي يَزَن فاسْتَوْطَنَ اليَمَنَ وأَوْلَدَ ثلاثَةَ بهلوان ودادوان وبانيان، فأَعْقَبَ بهلوان بهلول، والدادويون بسَعْوان ومنهم بَنُو المتمير بصَنْعاءَ وصَعْدَة وجراف الطاهِرِ ونحر البون، والدادويون خَوارِجُ ومنهم غزا كراذماروهُم خَلقٌ كثيرٌ.

  وقالَ سِيْبَوَيْه: أَلْحَقُوا ابْناً الهاءَ فقالوا: ابْنَةٌ، قالَ: وأَمَّا بِنْتٌ فَلَيْسَ على ابنٍ وإنَّما هي صِفَةٌ⁣(⁣١)؛ كذا في النُّسخِ والصَّواب صيغَةٌ؛ على حِدَةٍ أَلْحَقُوها الياءَ للإِلْحاقِ ثم أَبْدَلُوا التاءَ منها، وقيلَ إنَّا مُبْدلَةٌ من واو، قالَ سِيْبَوَيْه: وإنَّما بنْتٌ كعِدْل، والنِّسْبَةُ إلى بنْتٍ بِنْتيٌّ في قوْلِ يونس. قالَ ابنُ سِيدَه: وهو مَرْدُود عنْدَ سِيْبَوَيْه.

  وبَنَوِيٌّ، محرَّكةً.

  وقالَ ثَعْلَب: تقولُ العَرَبُ: هذه بنْتُ فلانٍ، وهذه ابْنَةُ فلانٍ، بتاءٍ ثابتَةٍ في الوقْفِ والوَصْلِ، وهُما لُغتانِ جَيِّدتانِ، قالَ: ومن قال ابْنتٌ فهو خَطَأٌ ولَحْنٌ.

  وقالَ الجَوْهرِيُّ: ولا تَقُل ابْنتٌ لأنَّ الألف إنَّما اجْتُلِبَت لسكونِ الباءِ فإذا حَرَكَتها سَقَطَتْ، والجَمْعُ بَناتٌ لا غَيْر، انتَهَى.

  وفي المُحْكَم: والأُنْثى ابْنَةٌ وبنتٌ، الأَخيرَةُ على غيرِ بناءِ مُذَكَّرِها، ولامُ بنْت واو والتاءُ بَدَلٌ منها.

  قالَ أَبو حنيفَةَ: أَصْلُه بنْوَة ووَزْنها فِعْلٌ، فأَلْحقتها التاءُ المُبْدلَة من لامِها بوَزْن حِلْسٍ فقالوا بِنْتٌ، وليسَتِ، التاءُ فيها بعلامَةِ تأْنِيثٍ كما ظن مَنْ لا خبْرَةَ له بهذا الشَأْنِ، وذلك لسكونِ ما قَبْلها، هذا مَذْهبُ سِيْبَوَيْه وهو الصَّحيحُ، وقد نصَّ عليه في بابِ ما لا يَنْصَرِف فقالَ: لو سَمَّيت بها رجُلاً لصَرَفْتها مَعْرفةً، ولو كانتْ للتَّأْنيثِ لما انْصَرَفَ الاسمُ، وقَوْلُ حَسَّانَ بن ثابتٍ، رضِي الله تعالى عنه:

  وَلَدْنا بَني العَنْقاء وابْنَيْ مُحَرِّقٍ ... فأَكْرِم بنا خالاً وأَكْرِم بِنا ابْنَما⁣(⁣٢)

  أَي ابْناً والمِيمُ زائِدَةٌ زِيادَتها في شَدْقَمٍ وزَرْقَمٍ وشَجْعَمٍ؛ وكذلكَ قَوْلُ ضمرة بن ضمرة:

  عرار الظليم استحقب الركب بيضه ... ولم يحم أنفاً عند عرس ولا ابنم

  فإنَّه يُريدُ الابنَ والمِيمُ زائِدَةٌ وهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ.

  قالَ سِيْبَوَيْه: وكأنَّ زِيادَةَ المِيمِ في ابْنم أَمْثَلُ قليلاً لأنَّ الاسمَ مَحْذوفُ اللامِ، فكأَنَّها عِوَضٌ منها، وليسَ في فسحم ونَحْوه حَذْف.

  وقالَ أَبو الهَيْثم: إذا زِيدَتِ الميمُ فيه فيعربُ مِن مَكانَيْن يقالُ هذا ابْنُمُكَ، فأُعْرب بضمِّ النونِ والميمُ،


(١) وقد مرّ في أخ أنها صيغة مستقلة، ا ه، نصر (هامش القاموس).

(٢) عجزه من شواهد القاموس، والبيت في ديوانه ط بيروت ص ٢٢٠ واللسان والصحاح والتهذيب: «ابن» ١٥/ ٥٠٦.