تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل القاف مع الواو والياء

صفحة 109 - الجزء 20

  ما بالُها بالليْلِ زالَ زَوالُها⁣(⁣١)

  بالرَّفْع، ويقولُ: هذا إقْواءٌ، وهو عنْدَ الناسِ الإكْفاء، وهو اخْتِلافُ إعْرابِ القَوافِي، وقد أَقْوَى الشاعِرُ إقْواءً.

  وقالَ ابنُ سِيدَه: أَقْوَى في الشِّعْرِ خالَفَ بينَ قَوافِيَه، هذا قولُ أَهْلِ اللُّغَةِ.

  وقالَ الأخْفَش: هو رَفْعُ بيتٍ وجَرُّ آخَر نَحْو قولِ الشاعرِ:

  لا بَأْسَ بالقَوْمِ مِن طُولٍ ومِن عِظَمٍ ... جِسْمُ البِغالِ وأَحْلامُ العَصافيرِ

  ثم قالَ:

  كأنَّهُمْ قَصَبٌ جُوفٌ أَسافِلُه ... مُنَقَّبٌ نَفَخَتْ فيه الأعاصيرُ

  قالَ: وسَمعْتُ هذا من العَرَبِ كثيراً لا أُحصِي.

  وقَلَّتْ قصِيدَةٌ لهُم يُنْشِدُونا بِلا إقْواءٍ، ثم لا يَسْتَنْكِرُونَهُ لأنَّه لا يَكْسرُ الشِّعْرَ، وأَيْضاً فإنَّ كلَّ بيتٍ منها كأنَّه شِعْرٌ على حِيالِه.

  قالَ ابنُ جنِّي: أَمَّا سعة⁣(⁣٢) الإقْواء عن العَرَبِ فبحيثُ لا يُرْتابُ بها لكنَّ ذلكَ في اجْتِماعِ الرَّفْع مع الجرِّ.

  وأَمَّا الإقْواءُ بالنَّصْبِ فَقَلِيلٌ، وذلك لمُفارَقَةِ الألِف الياء والواو ومُشابَهَ كُلّ واحِدَةٍ منهما جمِيعاً أُخْتها، فمن ذلكَ ما أَنْشَدَه أَبو عليِّ:

  فيَحْيَى كانَ أَحْسَنَ مِنْكَ وَجْهاً ... وأَحْسَنَ في المُعَصْفَرَةِ ارْتِدَاءَ

  ثم قال:

  وفي قَلْبِي على يَحْيَى البَلاء

  وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرابِي:

  عَشَّيْتُ جابانَ حتى اسْتَدَّ مَغْرِضُه ... وكادَ يَهْلِك لو لا أنَّه طافا

  قُولَا لجابانَ فَلْيَلْحَقْ بطِيَّتِهِ ... نَوْمُ الضُّحَى بعدَ نَوْمِ الليلِ إسْرافُ

  قالَ ابنُ جنِّي: وبالجملةِ إنَّ الإقْواءَ وإن كانَ عَيْباً لاخْتِلافِ الصَّوْت به فإنَّه قد كَثُر في كَلامِهم.

  واقْتَواهُ: اخْتَصَّهُ لنَفْسِه.

  والتَّقاوِي: تَزايُدُ الشُّركاءِ، تَفاعلٌ من القُوَّةِ. وفي حديثِ ابنِ سِيرِيْن: «لم يَكُنْ بأساً بالشُّركاءِ يتَقاوَوْنَ المَتَاعَ بينهم فيَنْمى ويَزِيدُ».

  التَّقاوِي بينَ الشُّركاءِ: أن يَشْتَرُوا سِلْعَةً رَخِيصَةً ثم يَتَزايدُوا بَيْنهم حتى يَبْلُغوا غايَةَ ثَمنِها. يقالُ: بَيْني وبينَ فلانٍ ثَوْب فتَقاوَيْناهُ أَعْطَيْته به ثمناً فأَخَذْته أَو أَعْطاني به ثمناً فأَخَذَه.

  والتَّقاوِي: البَيْتُوتَةُ على القَوَى، بالفَتْح، وهو الجُوعُ؛ نقلَهُ الزَّمَخْشري.

  والقِيُّ، بالكسْرِ: قَفْرُ الأرضِ أَبْدلُوا الواوَ ياءَ طلباً للخفَّةِ وكَسرُوا القافَ لمجاوَرَتِها الياء؛ قال العجَّاج:

  وبَلْدَةٍ نِياطُها نَطِيُّ ... قِيّ تُناصِيها بلادٌ قِيُّ⁣(⁣٣)

  ومنه الحديثُ: «مَنْ صَلَّى بقِيِّ من الأرضِ»؛ كالقِواءِ، بالكسْرِ⁣(⁣٤) والمدِّ؛ هكذا في النسخِ والصَّوابُ كالقِوا بالقَصْر والمدِّ، كما هو نَصُّ الصِّحاح وغيرِهِ، ولم يُذْكر الكَسْر في أصْلٍ مِن الأُصُولِ، وهَمْزَة القِواءِ مُنْقَلِبَة عن واوٍ، وإِنَّما لم يُدْغَم قَوِيَ وأُدْغِمَت قِيُّ لاخْتِلافِ الحَرْفَيْنِ، وهُما مُتَحرِّكانِ، وأُدْغِمَت في قوْلِكَ لَوَيْتُ لَيًّا، وأَصْلُه لَوْياً مع اخْتِلافِهما، لأنَّ الأُولى منهما ساكِنَةٌ قُلِبَتْ ياء وأُدْغِمَت؛ وشاهِدُ القَواءِ قولُ جريرٍ:


(١) ديوانه ط بيروت ص ١٥٠ وصدره:

هذا النهار بدا لها من همها

وقبله:

رحلت سمية غدوةً أجمالها ... غضبى عليك فما تقول بدا لَهَا

والقصيدة منصوبة القافية.

(٢) في اللسان: سمعه.

(٣) اللسان والثاني في الصحاح والتهذيب.

(٤) في الصحاح واللسان والتهذيب والمقاييس بالفتح ضبط حركات.